https://pagead2.googlesyndication.com/pagead/js/adsbygoogle.js?client=ca-pub-5059544888338696

رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

ما فعله السيناريو في “آل شنب” !

293

محمود عبد الشكور
وهذا فيلم آخر أشعرنى بالأسف والغضب الشديد، لأنه كان يمتلك فرصة كبيرة، لكى يكون عملا مهما ومميزا، بتطوير شخصياته، وبالبحث عن معنى ودلالة إجتماعية لأحداثه، وبتعميق خطوطه وأفكاره، ولكن فيلم “آل شنب”، الذى أخرجته أيتن أمين، وشاركت أيضا فى كتابته مع أحمد رؤوف وإسلام حسام، يفتقد كل ذلك، ويتوه مع شخصياته الكثيرة، لأنه لم يستطع أن يعالجها بشكل جيد، وفى اتجاه معنى وفكرة، تتجاوز تفصيلات الحياة اليومية، بل إن الفيلم افتقد بشكل جدى معنى الصراع، وفشل فى تحقيق التماسك، رغم وجود الكثير من المواقف الظريفة والضاحكة، وفشل أيضا فى المزج بين حكاية أسرة شنب، وحكاية جانبية، يبدأ وينتهى بها الفيلم، وهى حكاية ليلى ( أسماء جلال)، وهى واحدة من أفراد الأسرة، لا نعرف بالضبط لماذا اختصها السيناريو بهذه المساحة؟ وما علاقة موت خالها حسين شنب ( بيومى فؤاد فى أداء صوتى فقط)، بقرار ليلى أن تسافر الى اليابان، وما علاقة كل ذلك باجتماع آل شنب فى عزاء حسين شنب؟!!
لفتت أيتن أمين اهتمامى الى أعمالها منذ شاهدت فيلمها الروائى القصير الأول “راجلها”، وكان عملا جريئا للغاية، وينبئ بوجود مخرجة واعدة جدا، وفيلم “آل شنب” هو فيلمها الروائى الطويل الثالث بمفردها، بعد فيلمين حققا أصداء جيدة هما: ” فيلا 69″ و”سعاد”، وكان لافتا أيضا أنها مهتمة بشكل خاص بالتناقضات الاجتماعية المصرية، وما أكثرها، كما أن العلاقة بين الفرد والعائلة حاضرة ومؤثرة لديها، وكذلك علاقة الفرد بالمجتمع كله، وتوترات هذه العلاقة. وربما يمكن أن نضع “آل شنب” فى إطار هذا الاهتمام عند أيتن، ولكنه جاء هنا بدرجة عالية من السطحية والتبسيط، ورغم وجود تفصيلات كثيرة عن الشخصيات، إلا أن كثرتها، والوقوع فى أسر المشهد فى ذاته، دون تطوير للشخصيات، والبناء عليها، وضبط الخطوط الدرامية بشكل عميق ومتوازن، وهى عناصر من “بديهيات” الكتابة الدرامية، كل ذلك جعلنا أمام تجربة ينقصها الكثير من النضج والرؤية، وكأن آيتن وجدت شخصيات جذابة، وصنعت مشاهد ظريفة، ولكنها لم تعرف ماذا تفعل بها!!
يعيدنا ذلك الى تكرار ما ذكرناه من قبل عن أسطوات السيناريو، الذين كانوا يفطنون إلى أهمية تطوير الفكرة والشخصية، وليس اكتشافها فقط، بل إن تطوير الفكرة والشخصية أهم من العثور عليها.
التقاء أفراد عائلة، واكتشافهم لأنفسهم، ومواجهتهم لبعضهم البعض، فى مناسبة فقدان أحد أبناء الأسرة، حيلة درامية متواترة فى أفلام كثيرة، منها مثل فيلم المخرجة المغربية ليلى المراكشى المعروف “روك القصبة”، وهو آخر فيلم اشترك فيه عمر الشريف، ولكن السؤال هو : كيف ستكتب شخصياتك؟ وكيف ستطور تفاعلهم فى إطار معنى ما؟ وكيف ستسير الحكايات معا بشكل متداخل فى إطار تيمة محددة؟
مع الأسف، ليس فى “آل شنب” شيء من هذا، بل إن الفيلم الذى يبدأ بشكل جيد، باختراق دردشات آل شنب، مع حسين شنب، فى جروب العائلة، سرعان ما يأخذنا الى حكاية ليلى موظفة البنك، فى علاقتها العاطفية مع زميها عمر، المتزوج فعلا، وتشغل هذا العلاقة مساحة معتبرة من بداية الفيلم، بدلا من تقديم شقيقات حسين بشكل أعمق وأفضل، وهن : نيللى ( ليلى علوى )، وهى والدة ليلي، التى تتدخل فى حياة ابنتها، وفى كل شأن عائلي، وندى ( هيدى كرم )، التى تعانى من عدم إخلاص زوجها محمد (خالد سرحان) ، وزواجه عليها، ونهى (لبلبة)، الأخت الكبرى، التى تبدو ثرثارة وحشرية أيضا، ونبيلة (سوسن بدر)، المتدينة، والتى تحفظ القرآن، ودمتم !
يُفترض أن هذه الشخصيات الأربع، فى علاقتها مع حسين شنب، الذى يموت فجأة، هى أعمدة الدراما، ولكنها لا تكتمل ولا تتطور، ولا تفعل شيئا سوى الثرثرة فى الجنازة، ثم يظهر فى بيت الإسكندرية حشد من الشخصيات، من الأبناء والأحفاد، والذين يتزاحمون أيضا، من دون تطوير، وفى خطوط درامية مبتورة. وإذا كانت الشخصيات المحورية فى الفيلم بمثل هذه المعالم الباهتة، فليس غريبا أن تكون الشخصيات المساعدة باهتة أيضا، مثل زياد (حسن مالك)، ابن ندى، الذى تقبّله هنا حفيدة نهى !، ومثل عبد الرحمن، وأعتقد أنه شقيق زياد، والذى يبدو عبيطا ومفجوعا فى الأكل، ومثل طارق المحامى (محمود البزاوي)، الذى يقوم بمتابعة إعلام الوراثة، والذى يتواصل مع ليلى، دون أن يقود ذلك الى تطوير من أى نوع.
يجيد السيناريو تقديم مواقف ظريفة، ويلمس بشكل متكرر وسطحى مسألة التدين الشكلي، والبيئة المحافظة، وفى اسكتشات منفصلة لا تحرك صراعا حقيقيا، باستثناء بذرة صراع لم يتحقق، عندما ترفض نيللى بيع بيت والدها، بينما تظهر بوادر استعداد لدى بعض الأخوات للبيع، ولكن السيناريو ينهى مشاهد الإسكندرية بمبارة فى كرة القدم بين آل شنب!
قد تتوهم أنها نهاية فيلم لم تفلح المعالجة فى تعميقه أو تطوير خطوطه، ولكن الفيلم يعود من جديد الى حكاية ليلى مع عمر، حيث تتركه، وتترك البنك، وتقرر السفر الى اليابان، بعد وداع مع أمها نيللي، وبعد أن تلتقى فى الطائرة من شخص عرفته بالصدفة فى جنازة حسين شنب، ولن تعرف أبدا علاقة حكاية ليلى وعمر، والسفر إلى اليابان، مع عائلة آل شنب، وجنازة حسين شنب، خاصة أن رسائل حسين شنب الصوتية إلى ليلى قديمة، وكان يمكن تغيرها قبل وفاته، ولم يفلح الفيلم عموما فى استغلال تلك الرسائل الصوتية مع بقية الشخصيات، بمثل ما فعل مع ليلى وزياد.
هنا ضعف خطير فى حرفة الكتابة الدرامية، رغم إنجاز الخطوة الأولى، بوجود شخصيات، وحدث واحد كبير هو وفاة حسين شنب، ولكنه النفس القصير، والاستسلام لبريق الموقف والتناقضات والتفصيلات اليومية، كل ذلك جعلنا أمام فيلم معلّق فى الفراغ، لا يمكن الجملة حتى نهايته، وربما لو اقتصر على عدد أقل من الشخصيات، ومن الخطوط، ولو عرف النماذج الأكثر محورية، والنماذج الهامشية، لكانت النتيجة أفضل وأنضج.
بشكل عام نجحت أيتن أمين فى خلق جو عام جيد، وفى اختيار ممثليها فى أدوارهم المناسبة، وإن كانت هيدى كرم الأكثر تميزا، ربما لأن حكايتها مع زوجها من الخطوط القليلة المكتملة بداية ووسطا ونهاية، وأعجبنى كذلك استخدام أيتن لعدسة الزوم، وتأثيراتها اقترابا وابتعادا، وذلك فى مواقف كثيرة، هذه العدسة نادرة الاستخدام الآن، وكانت تستخدم بشكل مزعج فى أفلام السبعينيات، ولكن المخرجة قدمت توظيفا جيدا لها، كما تميز الفيلم بعناصر أخرى جيدة، مثل تصوير جلال الزكى ، ومونتاج خالد معيط، وموسيقى خالد حماد.
خسارة فعلا ما حدث مع “آل شنب”، كان يمكن أن يكونوا عنوانا على حكاية جميلة لا تنسى، ومدخلا لأفكار كثيرة، بخلاف جلسات الثرثرة والنميمة، وبخلاف رصد حالات الدروشة والتدين الظاهري، التى سرعان ما استهلكت نفسها فى مشاهد متكررة، لا تستطيع أن تتجاوز نفسها، ولا تحاول أن ترى ما هو أبعد وأعمق.
وكانت النتيجة أن “آل شنب” دخلوا نهائيا فى مصيدة ودائرة مفرغة، ولم يخرجوا منها على الإطلاق.