استعرضت في الحلقة السابقة من سلسلة حلقات (مخطط تفكيك الدول) كيف استطاعت المخابرات الأمريكية تقوية علاقتها بالتنظيم الإرهابي، وكيف وصل التنظيم من خلال منظمات المجتمع المدني إلى تقديم نفسه للإدارة الأمريكية كفصيل قادر على تنفيذ مخطط تفكيك الدولة، الأمر الذي جعل واشنطن ترفض عرض حزب النور أن يحتل مكان جماعة الإخوان في المشهد المصري رغم ما قدمه مسؤول الحزب لأحد كبار المسئولين في البيت الأبيض من مبررات، والتي كان من بينها حالة الرفض الموجودة في الشارع تجاه الجماعة الإرهابية.
نعود إلى بداية عام 2012 وعقب فوز الإخوان وحلفاؤهم من الأحزاب الدينية بأغلبية البرلمان والذي روجت له الجماعة على أنه برلمان الثورة، وهو في الحقيقة لم يكن سوى برلمان لدولة تم اختطافها وكانت تلك هي أولى مراحل الاختطاف الحقيقي للدولة، وضع التنظيم الإرهابي خطة محكَّمة بالتعاون مع واشنطن نقلتها السفيرة “آن باترسون” كانت البداية للسيطرة على مفاصل الدولة المصرية لتمكين عناصر التنظيم منها، وبدأ الضغط على حكومة الدكتور كمال الجنزوري بقوة لإحداث أزمة في العلاقة بين الشعب والجيش، في ظل نقص شديد في المنتجات الغذائية والخبز والمواد البترولية.
في الوقت ذاته عرضت هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية في ذلك الوقت على الرئيس باراك أوباما ضرورة أن تكون الولايات المتحدة مسيطرة بقوة على المشهد المصري خاصة في دولة ما بعد مبارك.
قدمت الإدارة الأمريكية لجماعة الإخوان عدة رسائل تؤكد دعمها لهم عندما أرسل البيت الأبيض مدير المخابرات الأمريكية في ذلك الوقت “جيمس كلابر” (James Clapper) إلى الكونجرس مؤكدًا أن جماعة الإخوان “منظمة معتدلة” و “علمانية إلى حد كبير” و “تجنبت العنف” “وليس لها هدف توسعي، على الأقل دوليًا.
كما ذكر “كلابر” أمام جلسة استماع عقدتها لجنة الاستخبارات بالكونجرس يوم 2 أكتوبر 2011 ردًا على سؤال للنائب سو مايك، “أن جماعة الإخوان في مصر ليست متطرفة؛ لقد سعوا وراء غايات اجتماعية لتحسين النظام السياسي في مصر”.
كان ذلك بمثابة الضوء الأخضر من الإدارة الأمريكية لتلك الجماعة الإرهابية، كما كان التوقيت غريبًا، حين طالب الرئيس أوباما علنًا بأن تتخلى إسرائيل عن الأراضي للفلسطينيين، وأعلنت وزارة العدل الأمريكية أنه لن يكون هناك مزيد من الملاحقة القضائية لجماعات الإخوان لتوجيه الملايين إلى حماس، وذلك في خروج عن التقاليد الأمريكية.
رغم تقديم مكتب التحقيقات الفيدرالية الأمريكي وكذلك المدعون العامون الأمريكيون أدلة على أن بعض المنظمات الإسلامية في أمريكا، مثل مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية والجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية والصندوق الإسلامي لأمريكا الشمالية خرجت من جماعة الإخوان المسلمين، ولها علاقة قوية بالإرهاب، إلا أن الإدارة الأمريكية في ذلك الوقت غضت الطرف عن كل تلك الوقائع وواصلت دعمها للإخوان للوصول إلى الهدف الأكبر وهو السيطرة على الدولة المصرية وتفكيكها من الداخل.
اتفقت الإدارة الأمريكية مع الإخوان على إخفاء نيتهم خوض الجماعة الإرهابية الانتخابات الرئاسية حتى تضمن الجماعة السيطرة على مجلس الشورى.
في الوقت ذاته كانت مجموعة العمل السياسي في قسم الأنشطة الخاصة بالمخابرات الأمريكية تعقد مفاضلة للشخص الذي سيتم تهيئته ودفع الجماعة لاختياره للترشح لمنصب رئيس الجمهورية.
رشح قسم الأنشطة الخاصة ومجموعة العمل السياسي (SAD/PAG)، التابعين لوكالة الاستخبارات الأمريكية، خمسة أسماء كان في مقدمتهم الدكتور محمد مرسي، وأرجعت ذلك إلى سابقة التعامل بينه وبين المخابرات الأمريكية في القضية الشهيرة المعروفة بـ”الكربون الأسود” والتي أبلغ فيها مرسي المخابرات الأمريكية عن صديقه العالم الدكتور عبدالقادر حلمي.
(تلقى الدكتور مهندس عبدالقادر حلمي مكالمة هاتفية في منزله مع أحد أفراد فريق العمل معه بشأن سبيكة الكربون الأسود التي تعمل على تعمية أنظمة الرادار وتخفي أية بصمة رادارية له لتحويل الصواريخ الباليستية المتطورة إلى شبح في الفضاء بما يجعل رصده مستحيل حتى على أكثر الرادارات تطورًا، كما أنها تقلل احتكاك رأس الصاروخ بالهواء بنسبة 20% مما يرفع مداه القتالي، وقدراته التدميرية.
في ذلك الوقت كان محمد مرسي في زيارة اعتيادية للدكتور عبد القادر حلمي، ولم يكن الأخير يعلم أن مرسي قد تم تجنيده من جانب مكتب التحقيقات الفيدرالية (FBI) للتجسس على زملائه من المصريين والعرب في مقابل تسهيلات دراسية ومادية سخية.
أُلقي القبض على الدكتور عبدالقادر حلمي عام 1989).
يسرت العلاقة بين المخابرات الأمريكية ومحمد مرسي عملية التفاهم حول خطوات مرحلة ما بعد 2011 وتم إعداد سيناريو أشرف عليه قسم الاتصال بالسفارة الأمريكية داخل مكتب الإرشاد حيث تم الدفع بمرسي ليكون رئيسًا لحزب الحرية والعدالة الذراع السياسي للجماعة الإرهابية في ذلك الوقت، مما أتاح لمرسي عقد لقاءات متعددة مع عدد من المسؤولين الأمريكيين في القاهرة وخارجها تحت ستار رئاسته حزبًا سياسيًا.
واصلت إدارة أوباما البحث عن مبررات للجماعة الإرهابية خاصة بعد تصريح رشاد بيومي زعيم الأغلبية في البرلمان حول معاهدة السلام فقال السكرتير الصحفي للبيت الأبيض “جاي كارني” إنه “من الظلم افتراض أن أي حزب له انتماء ديني لا يمكنه الالتزام بالمبادئ الديمقراطية، هذا ببساطة ليس هو الحال ولم تؤكده الحقائق”.
ويضيف كارني “لذا، قبل أن نحكم على تصرف الحكومة أو البرلمان الذي بدأ للتو في التبلور من خلال الانتخابات، أعتقد أننا بحاجة إلى ترك العملية تسير في طريقها، ومواصلة تأييد دعمنا الثابت للمبادئ الديمقراطية من أجل السيطرة المدنية على الحكومة، ومن ثم الحكم على نتائج أعمال أولئك الذين يسودون”.
تبنى المتحدث “مارك تونر” في وزارة الخارجية الأمريكية موقفًا مماثلًا، قائلًا: “لقد كنا واضحين للغاية بشأن نظرتنا إلى جماعة الإخوان المسلمين، وهي أنهم إذا كانوا ملتزمين بالعملية الديمقراطية، فإننا نرحب بهم كجزء من العملية السياسية”.
بعد أن تم التجهيز للدفع بمرسي لتصدر المشهد في الانتخابات الرئاسية، عرضت السفيرة الأمريكية خارطة طريق للانتخابات الرئاسية وكيف ستدفع الجماعة بمرشحها المستهدف لخوض الانتخابات والذي سبق تأهيله لهذا الدور.
بدأت الخطة باجتماع في مارس 2012 بمكتب الإرشاد عرضت خلاله السفيرة “آن باترسون” والتي كان يرافقها في تلك الزيارة أحد ضباط الاتصال بالمخابرات الأمريكية وقالت باترسون أن المجلس العسكري لن يسمح للإخوان بالانقضاض على رئاسة الدولة خاصة بعد السيطرة على البرلمان ومجلس الشوري وبعد نجاح مخطط الضغط على المجلس العسكري بالتظاهرات المستمرة وضغط الإعلام من جنب قنوات الجزيرة والجزيرة مباشر مصر واليرموك و25 يناير وغيرها من أدوات الجماعة الإرهابية للتعجيل بإجراء انتخابات مجلس والشورى وسيطرة الجماعة وحزب النور على 150 مقعدًا.
كان وليام بيرنز، مساعد وزير الخارجية الأمريكية وجون كيرى، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، و جيمي كارتر الذى زار مكتب الإرشاد فى 14 يناير 2012 والتقى المهندس خيرت الشاطر نائب المرشد و”مرسى” خلال النصف الأول من عام 2012 قد اجتمعوا بالقاهرة أكثر من مرة قبل ذلك ومعروف عن كارتر أنه مؤسس ما عرف بالمجاهدين الأفغان.
عرضت باترسون أن يتم الدفع بخيرت الشاطر (الذي اتفق مع أحد مسؤولي الإدارة الأمريكية فيما بعد على تقديم سيناء وطنًا بديلًا للفلسطينيين مقابل أن تحصل الجماعة على 8 مليار دولار؛ ففي اجتماع للكونجرس يوم 8 مارس 2016 وُجِّهت الاتهامات إلى أوباما بإهدار ثمانية مليار دولار وطالبه باسترداد المبلغ الذي استلمه خيرت الشاطر دعمًا لجماعة الإخوان المسلمين مقابل تسليم 40% من مساحة مصر للفلسطينيين التابعين لأعضاء حماس, ولما أصبح خيرت وأعوانه خارج السلطة أصبح أوباما في ورطة لعدم إتمام الصفقة, وهذا هو الحرج الأساسي في موقف أوباما الذي أثار حفيظة أعضاء الكونجرس.
يُذكر أن الوثيقة المتفق عليها وقع عليها كل من الرئيس المعزول مرسي ونائب المرشد العام خيرت الشاطر ومستشار الرئيس للشئون الخارجية عصام الحداد.)
تم تقديم بديلين للشاطر حال خروجه من السباق، (وهو ما كان توقعته الجماعة) وهما محمد مرسي والذي كانت تميل له المخابرات الأمريكية أكثر من وزارة الخارجية، وعبدالمنعم أبو الفتوح الذي اعتبرته تقارير أمريكية أنه بمثابة الوجه الجديد لجماعات الإسلام السياسي.
لاقى الطرح الأمريكي استحسان مكتب الإرشاد، ولم يكن في الحسبان أن يصدر حكمًا من المحكمة الدستورية العليا بحل البرلمان؛ ففي 14 يونيو 2012 أصدرت المحكمة الدستورية العليا حكمها بإبطال عضوية ثلث نواب مجلس الشعب، ما ترتب عليه حل المجلس بأكمله.
في ذلك الوقت دفعت حركة حماس بأكثر من 6 آلاف عنصر من عناصرها عبر الأنفاق إلى سيناء بالإضافة لوجود 4 آلاف عنصر من الجماعات الإرهابية.
ولأن الجماعة الإرهابية والإدارة الأمريكية تجيدان استغلال الفرص، في ذلك الوقت كانت الانتخابات الرئاسية تستعد لجولة الإعادة بين محمد مرسي وأحمد شفيق يومي 16 و17 يونيو 2012، فتم توجيه الكتائب الإليكترونية للجماعة والقواعد الحزبية لحزب الحرية والعدالة لحشد الأعضاء والمحبين، كما تم التوجيه بضرورة إقناع الناخبين بأن قرار المحكمة الدستورية العليا مؤامرة من جانب المجلس العسكري على السلطة التشريعية، وهو ما يستوجب الاصطفاف خلف مرشح حزب الحرية والعدالة (محمد مرسي)، كما روجت الجماعة وحلفاؤها من التيار الديني وبعض الحركات الثورية أن فوز أحمد شفيق هو بمثابة إعادة إنتاج نظام مبارك.
في يوم 15 يونيو التقت السفيرة الأمريكية بالقاهرة مع المرشد العام للجماعة وعدد من أعضاء مكتب الإرشاد والمرشح الرئاسي محمد مرسي لتطمئن الإدارة الأمريكية على قدرة الجماعة على تأمين إسرائيل والتعهد بعدم قيام حركة حماس بإطلاق صواريخ باتجاه المستوطنات.
تعهدت الجماعة بإيجاد حل للقضية الفلسطينية على أرض سيناء.