رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

.الإخوان.. الثورة المضادة لكل الثورات

2022

كتب : عمرو حسين

“تحالفات، وتنازلا وتأييدات، وتناقضات” أربعة عناصر أساسية حكمت تاريخ ومسيرة تلك الجماعة الإرهابية وهو ما ظهر جليًا أثناء وقبل ثورة يوليو 1952 وتجسد فى حادث المنشية ثم رفضهم لكل الأنظمة السياسي وانقلابهم على الرئيس السادات فى يوم النصر، ومحاولاتهم اغتيال مبارك فى أديس بابا وغيرها ولكنهم فشلوا، وركوبهم موجة ثورة يناير واستغلالهم للشباب آنذاك، وتصدير أفكار ومعتقدات مغلوطة على أمل الانقضاض على الحكم، ثم الدخول فى تحالفات خارجية ولاعزاء للوطن والمواطنة بل شغلهم الشاغل تحقيق المكاسب الشخصية حتى وصلوا لسدة الحكم فى فترة من الفترات التى اعتبرها الجميع أسود عهد شهدتها مصر طيلة تاريخها بعد أن تسببوا فى التراجع والانكسار فى كل شيء.
مسيرة ممتزجة بالدماء والخيانة منذ الإعلان عن إنشاء تلك الجماعة.
“أكتوبر” ترصد بعضا من تلك المسيرة منذ ثورة يوليو حتى العهد البائد من خلال السطور التالية.
في البداية قال أحمد عليبة، الباحث فى مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، إنه من خلال مراقبة دور جماعة الإخوان فى المرحلة التاريخية يمكن القول أن الإخوان هم الثورة المضادة للثورات المصرية الثلاثة الأخيرة، ومن المنظور والتقييم السياسي لا يمكن اعتبارهم ثورة على اعتبار أن الثورة هى تحرك لقاعدة شعبية، فى حين أن جماعة الإخوان تفتقر لهذه القاعدة الجماهيرية، بل على العكس هى تنخرط وسط الجماهير فى المشهد الثوري ثم تنسل منه لاحقاً وتعمل على توظيفه باعتبارها “أحد” فواعله ومحركاته الرئيسية.
وأشار عليبة إلى أن هناك قواسم مشتركة فى ثورتي يوليو ويناير على أن الجماعة ركبت موجة التأييد الجماهيري للثورة فى يوليو 1952، وفى يناير 2011، ولم تكن فى طليعة الحراك السياسي رغم أنها كانت شريكا فى تنسيقية الجمعية الوطنية التى أفرزت مجموعات الحراك الثوري من القوى الحزبية والسياسية، وتحول موقفها من رفض الثورة على نظام مبارك إلى ركوب موجة ثورة يناير ثم الادعاء زيفاً أنها كانت قوتها الدافعة.وبالتالى تحول فائض مواقف الجماعة البرجماتية إلى قوة إجهاض ثوري فى يوليو ويناير وإلى قوة معادية فى ثورة 30 يونيو التى أسقطت حكمها لكنها لا ترقى إلى تيار ثورى مضاد لأن الجماعة لا تعرف الثورية ولم تبادر إليها تاريخياً وإنما تعارض الثورات ثم تمتطيها ثم تعمل على إجهاضها وتعود إلى سيرتها الأولى إلى العمل السري العنيف.
وتابع الباحث فى مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، أنه فى المقابل هناك موقف المؤسسة العسكرية كقاسم مشترك فى الثورات الثلاثة، هو أولا موقف مبادر فى إطار إجماع وطني، يسخر قوته وجهوده لإزالة التهديداتوالمخاطرعلى الدولة والشعب، انحيازاته واضحة للجماهير، بما يعزز قاعدته الجماهيرية باستمرار.
الإخوان ويوليو
وقال الدكتورتوفيق أكلمندوس، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الفرنسية، أن دور جماعة الإخوان في ثورة 23 يوليو، بدأ مع دخول فصيل منهم في اتفاق شفهى مع حركة الضباط الأحرار بقيادة عبد الناصر، ولم يع عبد الناصر وقتها أن الجماعة مكونة من فريقين منشقين عن بعضهم بعضا، فريق منهم فقط هو الذى اتفق مع عبد الناصر في الفترة بين فبراير ومارس 1952، وكان الاتفاق لصالح الضباط الأحرار، واكتفى فصيل الإخوان بمساندة الحركة وعدم الاشتراك في الحكم، وإعطاء الأولوية لإسقاط الملك وجلاء الإنجليز عن مصر، وأجل الإخوان تنفيذ أجندتهم الخاصة معتمدين على ضعف خبرة الضباط الأحرار بخبايا القصر والسياسة، وأن الأمور سوف تؤول لصالحهم في النهاية.
وتابع أكلمندوس، في 21 و22 يونيو 1952 أراد عبد الناصر التأكد من التزام الإخوان بسريان الاتفاق، إلا أن تنظيم الإخوان فرضوا تغييرات على الاتفاق؛ وأعلن المرشد حسن الهضيبى أنه لم يكن على دراية بالاتفاق الأول إلا بعد وصول خطاب عبد الناصر. ولم يوافق المرشد آنذاك على ان تساند الجماعة الحركة دون شروط ومشاركة في حكم البلاد، وهو ما رآه عبد الناصر ابتزازًا واستغلالًا لضيق الوقت وحساسية الظرف، وهو الوتر الذى طالما لعبت الجماعة عليه طوال تاريخها.
وفى مطلع يوم 23 يوليو 1952 نفذت حركة الضباط الأحرار خطتها، وطالبت الجماعة بالتحرك إلا أن الإخوان تلكأوا ولم يتحركوا إلا بعد الظهيرة، بعد أن سقط الملك، واستكانت الظروف لصالح حركة الضباط الأحرار واستتب الأمر، بدأت الجماعة في التحرك شعبيا، إلا أن مجلس قيادة الثورة رفض هذا التأخير والتراجع وعدم المخاطرة، وأجبرهم على العودة لاتفاق مارس 1952 ورفض تغييرات اتفاق يونيو، شهدت العلاقة حالة من الشد والجذب انتهت بمحاولة اغتيال عبد الناصر في حادث المنشية عام 1954.
وعن ثورة 25 يناير، يقول أكلمندوس أنها كانت حركة شبابية بدأها الثوار المدنيين المنتمى إليهم شباب من تيارات مختلفة كالاخوان والحزب الوطنى وبعض الأحزاب الأخرى بشكل غير رسمي.وفى 28 يناير تحولت إلى ثورة شعبية لها مطالب برفض التوريث ورحيل مبارك ثم أنضم لها تنظيم الإخوان لتزيد المطالب إلى تغيير كل قواعد اللعبة السياسية في مصر، استفاد الإخوان من عدم وجود قائد للثورة هذه المرة على عكس ثورة يوليو التي كان لها العديد من القادة، وتوجهوا إلى تطبيق الأجندة الخاصة بهم وتخلوا عن المطالب الشعبية، وسعوا إلى الاستحواذ على الحكم في الفترة من 25 يناير 2011 إلى 30 يونيو 2013.
وأكد أستاذ العلوم السياسية، أنه رغم أن جماعة الإخوان تمثل فصيلا سياسيًا كبيرا إلا أنها لا تمثل الشعب المصرى ولا حتى الأغلبية، ولم يتشاركوا الحكم مع أي فصيل أخر، مدعيين أن الفصائل والتيارات السياسية الأخرى أنما هى أعداد قليلة جدا لا تمثل إلا نفسها، وكان شغلهم الشاغل هو السيطرة المطلقة على الدولة ولم يحترموا مصالح الدولة الحيوية والدفاعية والاقتصادية سواء في الداخل أو الخارج، وذهبوا إلى مغامرات يرفضها الشعب المصرى كلية مثل الحرب في سوريا ضد نظام بشار الأسد أو الحرب والسيطرة على ليبيا بعد نظام القذافى، ولو يذهبوا إلى الحرب على إسرائيل مثلا رغم أن هذه الفكرة كانت قد تجد ظهيرا شعبيا رغم تحفظ الشعب على الحروب بعد حرب اليمن وحروب إسرائيل.
وأشار أكلمندوس إلى تلقى جماعة الإخوان مساعدات أجنبية كبيرة من جهات راهنت على تثبيت الوضع في مصر على ما هو عليه لتحقيق المصالح الدولية بعد تراجع مصر عن دورها الإقليمى في الشرق الأوسط وأفريقيا إلى أن جاءت ثورة 30 يونيو لتقضى على جماعة الإخوان وتنهى آمال وتطلعات القوى الدولية، وتعود مصر إلى دورها الريادى.
دور دموى
وقال اللواء أركان حرب فؤاد فيود المستشار بأكاديمية ناصر العسكرية العليا، أن الإخوان لم يكن لهم دورا ملموسا في ثورة يوليو 1952، بل كانت الفترةالسابقة على الثورة فترة دموية في تاريخ الإخوان، حيث قتلوا أحمد ماهر باشا، والمستشار الخازندار، والنقراشى باشا، فكان لديهم تنظيما سريا مسلحًا، ولم يكونوا جماعة دعوية دينية، واعتمدوا على القتل وكان كل من يعارضهم يقتلوه، وتاريخيا روج الإخوان كذبا أن الرئيس عبد الناصر ينتمى إليهم، وهذا لم يحدث وكان عبد الناصر يحضر كافة الأنشطة الدينية والسياسية للتعرف على البيئة الاجتماعية للدولة، وبعد تولى عبد الناصر راية قيادة الدولة أراد الإخوان أن يتدخلوا في السلطة وسياسات الدولة فتصدى لهم ناصر ورفاقه فكانت محاولة اغتياله في حادث المنشية. وتعاقب على ذلك حل جماعة الإخوان وسجن أعضائها وإصدار احكام بالإعدام بحق 7 أشخاص، تم تخفيف الحكم عن 4 منهم وتنفيذ الحكم على سيد قطب؛ لأنه من وجه إلى تفجير القناطر الخيرية وإغراق الدلتا.
وتابع فيود، أنه بعد وفاة عبد الناصر جاء الرئيس السادات إلى الحكم، وتغيرت القواعد السياسية في الدولة، وسعى السادات إلى التخلص من مراكز القوى التي ظنت أنه سيكون ستارا لتنفيذ قراراتهم وسياساتهم، واتجهت منظمة الشباب والاتحاد الاشتراكىإلى التخلي عن السادات شعبيا وإحداث انهيار دستورى، فلم يكن له ظهيرا شعبيا. نتج عن ذلك اعتقال السادات لعدد من المسئولين منهم نائب الرئيس وقادة الاتحاد الاشتراكى ومنطمة الشباب، وبدأ السادات البحث عن ظهير شعبى، من هنا جاء دور الإخوان، فأفرج عن المعتقلين وأعطى لهم حرية كبيرة أدت في النهاية إلى اغتياله في يوم النصر 6 أكتوبر 1981، ليعودوا إلى منهجهم العنيف.
وعن دور الإخوان في عهد مبارك، قال فيود، إن تلك المرحلة شهدت توازنا سياسيا، تبنى مبارك برامج لتغيير ايديولوجية المعتقلين من خلال المراجعات الفكرية والإفراج عنهم تدريجيا حتى تورط التنظيم الدولى للإخوان في محاولة اغتيال مبارك في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، ثم التراجع من الإخوان والبحث عن التصالح مع الدولة ورفع شعار الإسلام هو الحل وتوظيف المظلومية التاريخية، ووصلت الجماعة إلى البرلمان بـ 88 مقعدا.
وأكد المستشار بأكاديمية ناصر العسكرية العليا، أنه مع تزاوج السلطة والمال، وبدء تنفيذ سيناريو التوريث، قامت ثورة 25 يناير 2011، لم يكن الإخوان في الطليعة، كما لم يكونوا من قبل، وفى 28 يناير دخلوا إلى المشهد واستخدموا توافقاتهم مع الأمريكان وعلاقاتهم مع الغرب في الترويج لـ”الربيع العربى، الشرق الأوسط الكبير”، ويتضح ذلك في كتاب هيلارى كلينتون بعنوان “كلمة السر 360” الذى وضح كيف تم توظيف الإخوان لتنفيذ التوجه الأمريكي في مصر، وإقامة دولة للفلسطنيين في سيناء، والتنازل عن فكرة الحدود مع السودان في حلايب وشلاتين وتراجع المصلحة الحيوية في مياه النيل مع الجانب الإثيوبى، إلى أن هب الشعب في 30 يونيو 2013 وحطم المخطط الأمريكي وحرمان الإخوان من استكمال المخطط.
تغيرات سياسة
ويرى الدكتور باسم رزق أستاذ العلوم السياسية بمعهد البحوث والدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة، أن الإخوان كيان رافض كافة التغيرات السياسية والاجتماعية الاقتصادية التي مرت على المجتمع المصري، بما في ذلك موقفهم من الثورات المصرية الثلاثة.سعت الجماعة للسيطرة على ثورة 1952، ومن بعدها محاولة اغتيال عبد الناصر، وسعى الإخوان لتشكيل حزب ديني، واستغلال وجودهم في الشارع المصري للضغط على النظام، وساقوا عديد المساومات مع رجال النظام، ورفضواالمطالبة بالاستقلال، وحاولوا ربط مصالحهم بالنظام الاستعمارى البريطاني. وعندما وقعت هزيمة 1967 حاول الإخوان استغلالها لتشوية النظام ورجاله، بخاصة عبد الناصر، وهذا هو نهجهم تلويث وتشوية إنجازات مرحلة باستخدام أخطاء أو هفوات نظم.
وتابع أستاذ العلوم السياسية بمعهد البحوث والدراسات الأفريقية،أنه عندما انتصر أنور السادات ونظامه، وقام بعقد اتفاقية السلام مع إسرائيل، حاول الإخوان استغلال ذلك لتشويه نظامه، مع أن ذلك يناقض مواقفهم الحقيقية من إسرائيل، وبعدها نجحت أحد الجماعات الموالية لهم – بتنسيق مع الإخوان – في اغتيال السادات. وبعد وصول مبارك للحكم، لم يرفضه الإخوان، وأصبحوا جزء من نظامه في وقت لاحق،وعندما تمت تعديلات دستورية ترسخ للتوريث، لم نرى تحرك الشارع السياسي من خلال الإخوان،وتم إعادة انتخاب مبارك لعدة دورات، ولم يعترض الإخوان، فمبارك كان “الوالد” حسب رأي مرشد الإخوان، ولم يكونوا وقتها يرون أن هذا حكم عسكري.
وأكد الدكتور باسم رزق، أنه عندما تمت الدعوة لحراك وثورة 2011 رفض الإخوان في البداية، قبل أن يعودوا ويرون فائدة الاشتراك فيها، واقتناص حلم شباب الثورة، ووصلوا الحكم، وفشلوا، وخلعت الجماهير نظامهم بثورة عارمة في 30 يونيو، حمتها الإرادة القومية من الجيش والأجهزة والجهات الوطنية، وإلى الآن يرفض الإخوان الاعتراف بهذه الثورة.
ويرى الدكتور باسم رزق أن فلسفة الإخوان الحالية تؤكد أنهم ينتظرون وقت مصالحة، أو مهادنة النظام الحالي لرؤيتهم وأفكارهم، حيث تبنت الجماعة استراتيجية الرفض للحصول على أعلى مكسب، قبل فرض مطالب يرون أنها حقوقهم، بعدها تبدأ مرحلة المهادنةثم يعودوا لإدخال النظام في حلقة أزمات لا تنتهي، فهذا ما فعلوه مع السادات، ثم مبارك،ثم المجلس العسكري بعد 2011، ويحاولون ذلك مع النظام الحالي، فالإخوان تتراجع لديهم قيم الوطن والدين لحساب مصلحة الجماعة، ويضحون بكل شيء لتعيش فكرة الإخوان،ولا يرفضون العنف ويرون في ذلك أن الغاية تبرر الوسيلة ويرسخون ذلك بتوظيف النصوص والدوافع الشرعية، وهذا رأي مؤسس الجماعة وكبار مفكريها من مهدها وحتى الآن.