رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

بعد زيارة ماكرون للصين وتصريحاته المثيرة هل تخلع أوروبا العباءة الأمريكية ؟

492

«أسوأ شىء هو الاعتقاد بأننا نحن الأوروبيين، يجب أن نصبح أتباعًا فى هذه المسألة، وأن نتكيف مع الإيقاع الأمريكى أو رد الفعل الصينى المبالغ فيه».. هكذا أثار الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون الجدل، بعد تصريحاته الداعية إلى تقليص الارتباط بأمريكا وتجنب مواجهة الصين بشأن (مسألة تايوان).

روضة فؤاد

وخلال مقابلة صحفية جرت على متن طائرة العودة من زيارة رسمية للصين استمرت ثلاثة أيام، اعتبر ماكرون أن ما وصفه بالخطر الكبير بالنسبة لأوروبا، هو أن تجد نفسها تنجر إلى أزمات ليست أزماتها، ما سيمنعها من بناء استقلاليتها الاستراتيجية، وحذر من أن الأسوأ هو الاعتقاد بأن الأوروبيين يجب أن يصبحوا أتباعا فى هذا الملف (قضية تايوان)، وأن يستقوا إشاراتهم من أجندة الولايات المتحدة ورد الفعل الصينى المبالغ فيه.

وقال أيضًا فى تصريحاته إنه يتعين على أوروبا تمويل قطاعها الدفاعى بشكل أفضل، وتطوير الطاقة النووية والمتجددة، وتقليل الاعتماد على الدولار للحد من اتكالها على الولايات المتحدة.

تصريحات ماكرون أثارت تساؤلات عدة عما إذا كان الرئيس الفرنسى يسعى إلى إخراج أوروبا من العباءة الأمريكية، أم أنها مجرد تصريحات لن تخرج إلى حيز الوجود الفعلى، وأن هناك صعوبات تحول دون تطبيق رؤيته.

فى تقرير لوكالة الأنباء الفرنسية «فرانس برس»، ذكر أن زيارة ماكرون للصين وتصريحاته اللاحقة أثبتت أكثر من ذى قبل أن سياسة القطب الأحادى التى لطالما انتقدتها الصين وروسيا لم تعد صالحة، كما أثبتت رفض باريس بصوت عالى للقطيعة الاقتصادية التى تفضلها الولايات المتحدة كوسيلة لتقليل المخاطر الأمنية من خلال ضوابط التصدير الشاملة وإعادة ترتيب سلاسل التوريد، أما فيما يتعلق بالحرب الأوكرانية فقد وازن الرئيس الفرنسى بدقة وجهات النظر الغربية والصينية بشأن الحرب فى أوكرانيا دون تحقيق أى اختراق.

ونقلت الوكالة الفرنسية، عن جان بيير كابيستان، أستاذ العلوم السياسية فى جامعة هونج كونج، قوله «إن ماكرون أظهر فى خضم الحرب الباردة المتفاقمة مع الصين، أنه يجرى عكس التيار»، معتبراً أنه لعب «الورقة الديجولية»، فى إشارة إلى تأكيد شارل ديجول مباشرة بعد انتصاره فى الحرب العالمية الثانية، على استقلال بلاده عن الولايات المتحدة.

على جانب آخر، نقلت «سكاى نيوز» عن «جان بيار ميلالى» الباحث والأكاديمى الفرنسى قوله إنه من المبكر الحكم على تصريحات ماكرون بأنها تغيير جذرى، قائلًا «لابد من الانتظار كى نحكم على أهمية الزيارة المهمة أصلا»، وأشار ميلالى إلى أن هناك تباينًا بين الموقف الأمريكى والموقف الفرنسى بشأن تايوان، كما أن لفرنسا حضورا فى المحيطين الهندى والهادئ، ولا يمكن لفرنسا أن تدخل فى هذه القضية باستخفاف، فإغلاق مضيق تايوان سيكون كارثيًا لها.

وقال الباحث الفرنسى إن علاقات بروكسل مع الولايات المتحدة لا تمنع تجسيد رؤية أوروبية خاصة فى الحياة الدولية، وفى الماضى، غامرت الولايات المتحدة وشنت الحرب على العراق التى لم تكن مبررة ولم تكن تؤيدها فرنسا، كما أنها أول دولة غربية كبرى اعترفت بالصين وخالفت بذلك موقف الناتو، مؤكدًا أن هناك خصوصية تتمسك بها فرنسا.

من جانبه، يرى «تشارلز كابشن» عضو مجلس الأمن القومى الأمريكى الأسبق، أن موقف ماكرون نابع من رغبته فى التميز وأن يلعب دور السيد ويستطيع التأثير فى القضايا الدولية، كما يرغب فى أن تكون أوروبا أكثر استقلالاً عن أمريكا على عدة جبهات، بما فى ذلك حرب روسيا فى أوكرانيا والتى تركز فيها فرنسا على الحل الدبلوماسى والوساطة الصينية.

وعن اختلاف النهج الأمريكى والأوروبى فى التعامل مع الصين، أوضح «كابشن» أنه فى الوقت الذى تعمل فيه بعض الدول الأوروبية على خلق علاقات تجارية مع الصين، تعيش الولايات المتحدة حالة من الحذر فى تعاملها مع الصين، لأنها تمتلك مصالح استراتيجية فى منطقة المحيط الهادى وآسيا، وهو ما يخلق بعض التوترات فى مواقفها الصارمة ضد الطموحات السياسية للصين.

من جهتها، تناولت صحيفة «بوليتيكو» الأمريكية تلك القضية فى تقرير بعنوان «لماذا تريد الصين أن يدق ماكرون إسفينًا بين أوروبا وأمريكا»، فذكرت أن الرئيس الصينى وجه رسالة واحدة ومهمة لنظيره الفرنسى إيمانويل ماكرون مفادها «لا تدع أوروبا تنغمس فى الألعاب الأمريكية».

ووفق الصحيفة، فإن الأزمة الأوكرانية والعملية العسكرية الروسية عززتا التحالف بين أوروبا والولايات المتحدة، وأثرتا أيضاً على التجارة العالمية، ونشطتا حلف الناتو، كما أجبرتا الحكومات على النظر فيما يمكن أن يحدث فجأة فى الشئون العالمية، ولكن بكين لا ترحب بهذه الأمور، فهى لاتزال تنظر إلى واشنطن على أنها خصمها الاستراتيجى، وفى نفس الوقت، اعتبرت ماكرون الشريك الطبيعى للمساعدة فى تجنب تراجع العلاقات بين الاتحاد الأوروبى والصين، خاصة وأنّ أنجيلا ميركل- المفضلة سابقاً- لم تعد مستشارة ألمانيا.

وأوضحت «بوليتكو» أن استعداد ماكرون للتعامل مع أى شخص- بما فى ذلك اتصالاته التى تعرضت لانتقادات شديدة مع بوتين قبل عمليته العسكرية فى أوكرانيا- جعله جذابًا بشكل خاص، حيث سعت بكين إلى دق إسفين بين الاستراتيجيات الأوروبية والأمريكية بشأن الصين.

ورأت الصحيفة أن الحكم الذاتى الاستراتيجى الذى يُركز على السياسة الخارجية الفرنسية، والذى ينادى به ماكرون، هو المفضل لدى الصين، التى ترى الفكرة كدليل على ابتعاد أوروبا عن الولايات المتحدة.