رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

بعد الشر عن الأعمال السفلية الكوميدية!

585

ربما ما يستحق الحديث عنه في هذا الفيلم من أفلام عيد الفطر وعنوانه ” بِعْد الشر” أنه من أفضل تجارب الممثل الكوميدي علي ربيع حتى الآن، وهي أفضلية نسبية، مقارنة بأعماله السينمائية السابقة، إنه هنا لا يرفع صوته على طريقة مسرح مصر، والمعالجة عموما أكثر تماسكا ، والمواقف الكوميدية أفضل بشكل عام، كما أن هناك أدوارا معقولة للشخصيات المحيطة بالبطل، بل يمكن القول إن أوس أوس يشاركه الكثير من الأحداث، وليس مجرد سنيّد للبطل فقط .

محمود عبد الشكور

الملاحظ أيضا أن الفيلم يمكن إدراجه تحت قائمة الأفلام الكوميدية التي تقوم حبكتها على حكاية الأعمال السفلية والشعوذة، وهي أفلام أصبح لها نماذج كثيرة، منها مثلا فيلم “سحر العيون” للراحل عامر منيب، وفيلم “حبيبي نائما” لخالد أبو النجا، ومن أمثلتها الأحدث فى الموسم الماضي فقط فيلم “هاشتاج جوّزني” بطولة أمير المصري ومايان السيد وتأليف محمد سمير مبروك وإخراج عصام نصار، بل يمكن أن نعتبر فيلم “بِعْد الشر”، الذي كتبه الثنائي أمين جمال ووليد أبو المجد، وأنتجه أحمد السبكي، تنويعة جديدة على حبكة فيلم “هاشتاج جوّزني” بالتحديد، ويبدو أن الفيلمين مستلهمان من حيث العقدة من فيلم أجنبي.
فى “هاشتاج جوزني” كان العمل السفلي الذي اصطنعته سيدة تحب بطل الفيلم يمنعه من أن يقول “أحبك” لأي فتاة، لأنه عندما يقولها تتزوج الفتاة فورا من شخص آخر، أي أن كلمة “أحبك” تتحول هنا إلى عقاب، وهذا بالضبط محور الحبكة فى “بعد الشر”، ولكن بتنويعة جديدة، وبتطوير آخر ظريف للفكرة، التي تطورت فى “هاشتاج جوّزني” إلى إنشاء وكالة لتزويج الفتيات، لأنه بمجرد نطق كلمة “أحبك” على لسان بطل الفيلم، تحب الفتيات وتتزوجن فورا !
هنا أيضا أعمال سفلية وكلمة “أحبك” ولكن فى اتجاه آخر، فالشاب سليمان أبو لبن أو سولي (علي ربيع)، الذي يعمل طيارا دون أن نراه مرة فى عمله!! والذي يبدو ثريا جدا ، بسبب ثروة والده ( بيومي فؤاد)، يهوى مصادقة بالفتيات، دون أن يتزوجهن، ولكنه يقع فعلا فى حب فتاة جميلة تعمل مدرسة للتربية الرياضية تدعى مريم ( ميرنا نور الدين)، ولكن والد فتاته السابقة فرح
(رنا رئيس)، التي تركها يوم زفافه عليها، يصطنع تعويذة وعملا سفليا، يجعل كلمة “أحبك” على لسان سولي تؤدي إلى كوارث هزلية عجيبة، على أن يذهب مفعولها بعد منتصف الليل.
استغل السيناريو هذه الكوارث الضاحكة بشكل جيد، ومن أمثلتها أن يبرز لسولي صدر امرأة فجأة، عندما يقول “أحبك”، أو يتحول الى قرد فى حديقة الحيوان، بل إنه يختفى تماما ذات مرة، وكأنه يرتدي طاقية الإخفاء، وفى يوم زفافه يطير على البساط السحري، وفى كل مرة ينتهي مفعول السحر بعد الساعة الثانية عشرة مساء، ولاشك أن هذه التنوعية منحت المعالجة حيوية وخيالا ومزيدا من المواقف الضاحكة.
نجح السيناريو أيضا فى رسم الشخصيات المحيطة بسولي، فالأب مازال يعيش حياة المراهق، الذي يطارد الفتيات، والصديق (أوس أوس) لايريد أن يتزوج سولي، لأنه مصدر الإنفــــاق عليــــــه، والفتــــاة مـــــريم شخصية قويــــــة وجادة ورياضية، وستلعب دورا فى إنقاذ سولي من التعويذة، والفتاة فرح مدللة ولديها رغبة عارمة فى الانتقام ممن تركها ولم يتزوجها، ووالدها ( عمرو عبد الجليل) يحب ابنته، وهو أصلا صاحب فكرة وتنفيذ عملية الانتقام من سولي بتعويذة، تجعله مسخرة بين الناس إذا نطق بكلمة “أحبك”.
بشكل عام ننتقل من مهزلة إلى أخرى بسلاسة، مع مواقف مرحة كثيرة موفقة، وكان جيدا ظهور أثر التعويذة على جسد سولي قبل أن نعرف مصدرها، وإن كان من الأكثر إثارة أن يتأخر الكشف عن دور الأب فى عمل التعويذة إلى المشاهد الأخيرة.
لابد من الإشارة إلى دور المخرج أحمد عبد الوهاب فى اختيار أسلوب بسيط بما يناسب الحكاية، كما يجب التنويه بأن لديه إحساسا جيدا فى بناء المشاهد الضاحكة، كما أن أغنية مستشفى الأمراض العقلية كانت ظريفة، ولم تفسد إيقاع الفيلم، والممثلون عموما فى أدوارهم المناسبة: ميرنا نور الدين وجه واعد ومقبول، كما أن علي ربيع وأوس أوس أفضل بكثير فى الأداء، ويبدو أنهما التفتا أخيرا إلى ضرورة ضبط الانفعال، والابتعاد عن صخب وضوضاء المسرح، ومن أظرف مشاهد أوس أوس حديثه بالإنجليزية مع الفتاة التي تحبه، والتي لعبت دورها ملك قورة.
حتى بيومي فؤاد وعمرو عبد الجليل كانا جيدين ومؤثرين فى إطار الأحداث، وكان هناك التفات إلى رسم معالم بعض الشخصيات الثانوية أيضا، مثل بواب فيلا سولي، الذي يبدو جزءا من العائلة، وعندما ظهر محمد أنور فى مشهد واحد كان فى دور ظريف، يمثل جزءا من الحكاية، وجزءا من عقدة البطل، الذي لا يستطيع أن يقول ” أحبك”.
لا يمكن القول إن هذه الأعمال الكوميدية السفلية تروج للدجل والشعوذة، لأنها معالجات فانتازية، وعندما تقع فى التحليل والموعظة يفسد بناؤها، مثلما حدث فى “هاشتاج جوزني”، ولكن لحسن الحظ، فإن “بعد الشر” ظل حتى النهاية فى دائرة الفانتازيا، وكانت نهايته عنوانا على هذا المرح المستمر، حتى بعد إحراق التعويذة، والتخلص من الكتاب الذي يحتوي عليها.
كلمة أخيرة: علي ربيع ممثل موهوب، يمكنه أن يحقق الكثير فى السينما، لو اعتمد على نصوص جيدة ومبتكرة، ولو نسي تماما أن الكوميديا مجرد إيفيهات، ولو اكتشف أن الكوميديا تختلف عن الهزار مع الأصدقاء، أو الهزار على المسرح، سينجح فقط إذا كانت هناك دراما وشخصيات وبناء ومونتاج وإخراج.
ليس مطلوبا أن يعالج مشكلات وقضايا كبرى، ولكن أن يقدم عملا خفيفا مرحا وظريف وبسيطا، مثل “بعد الشر”، وهي معادلة ممكنة، ولها تجليات أيضا فى أفلام الأبيض والأسود، فأفلام إسماعيل ياسين كان بسيطة ومضحكة، وفيها لازمات إسماعيل ياسين، ولكنها كذلك أعمال كتبها سيناريست بارع مثل أبوالسعود الإبياري، وأخرجها مخرج فاهم مثل فطين عبدالوهاب.