رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

سجَّل تاريخه بأظافره الطويلة

399

“بدائي” اتهام تلصقه الناس على كل شخص تتنافى أفعاله مع السلوكيات الراقية أو بمعنى آخر حدث ارتباط شرطى للبدائية فى الأذهان بالمستويات الدنيا من الأخلاق الإنسانية التى تتشابه مع ممارسات الحيوانات، غير أننى على النقيض مع المؤمنين بتلك الرؤية، وأدعم فريق المؤرخين المنصفين للشعوب الأولى أو كما يشيع أنصار مؤيدى البدائية والهمجية والبربرية على الشخص البسيط، وما يتجاهله هؤلاء أن الإنسان القديم كان مضطرًا للتعامل بغلظة مع مفردات الطبيعة الوعرة بأدواته الضعيفة، وتفرض عليه استعمال القوة والوحشية، لتوفر له الأمان، وليتمكن من العيش فى العراء وفى حالة خضوعه واستسلامه سيكون كتابة لنهاية البشرية على الأرض.

ويرجع لفظ الهمجيون إلى الأمريكان، وأطلقوه على الهنود الحمر، لكونهم متخلفين وغير متحضرين، وفرصة فى ذات الوقت لمحاربتهم والقضاء عليهم، البدائى وصف من صُنّاع الحضارة الحديثة، وألصقوه بالإنسان الذى لم تصله أدوات وفكر النهضة العلمية والثقافية، التى كان فضلها على كل سكان الأرض، وخاصة أهل القارة السمراء، وقد تتطابق البدائية مع مفهوم الإنسان الحجرى.

برغم ما طبعه مصطلح بدائى فى عقولنا، يصدمنا العلماء عن اكتشافهم لما تركه من فنون على الجدران، وشيّد آثارًا عبّرت عن صموده، وسجل عليها محطات عن تطور أدائه وثقافته، ومهما اختلفنا عليها فإن البدائية واحدة من أهم مراحل تدرج الفكر البشرى، ومن المعقول أن ينحت بأظافره الطويلة فى كهوف الجبال، ولا سبيل له سوى أن يقتل أى شخص يغير على كهفه، ومن أين يأتى بأحكام القانون التى تطبق على الجانى، كما الشأن فى العصور المتقدمة ويسجنه، ولم يدرك وقتها غير قانون الغاب، ولم يطلق العنان فى استخدامه، ويهلك بلدان بالكامل بقنبلة صغيرة.

ولا يعد عيبا أن الإنسان البدائى يجهل كيفية استخدام الشوكة والسكينة فى تناول طعامه، واضطرت قسوة ظروفه تكيفه مع نمط الحياة حينها، ومن فضائل نضاله على مدار قرون استطاع البدائى تمهيد أرضية راسخة لبناء حضارات متتالية، ينعم فيها الإنسان برفاهية العيش، وما القول فى إنسان العصر الحديث قاتل الشعوب؟ وفى المقابل البدائى يقتل فريسة واحدة ليعيش عليها أياما، وفى العصر الحديث إنسان يجيد لغة إبادة فريسته والمحيطين بها من شجر وأطفال، وحروبه يسقط فيها ملايين الضحايا.

وما يجب الاعتراف به أن التخلف والجاهلية هما الكراهية والعنصرية والجهل، وحياة الغاب تعكس السلوك الحيوانى، الذى غاب عنه العقل، وروح ومبادئ الإنسانية تجسد فكرًا إنسانيًا تحرر من التوحش والتخلف، تجعله إنسانًا يحيا بالإنسانية قولاً وفعلاً، ويعتقد علماء النفس أن الوحوش الإنسانية تؤمن بأنهم منقذو البشرية من أخطار محدقة بها لا يراها سواهم، وهم أشبه بإنسان تحول إلى قنبلة موقوتة.