صالون الرأي
سيرة نبى الدم وورثته
By amrأكتوبر 14, 2024, 13:58 م
324
عاطف عبد الغنى
يقدس الصهاينة المعاصرون شخصًا اسمه زئيف فلاديمير جابوتنسكي، الذى ولد فى مدينة أوديسا الأوكرانية فى 17 أكتوبر 1880، ومثل كثير من أطفال فقراء اليهود، ومتوسطى الحال، بعد فطامه عن لبن أمه، ألحقوه بمدارس التعليم الدينى (يشيفا) التى تغذى أبناء اليهود على كراهية الجوييم (كل من هو غير يهودى)، لكنه تحرر سريعًا من الرداء الحاريدى وهجر “الطاليس والكيباه” متحولاً إلى الصهيونية العلمانية، وسافر إلى أوروبا فدرس القانون، وعمل بالصحافة، ونشر موضوعاته باسم مستعار “ألتلينا” باللغات الروسية واليديشية (العبرية القديمة) والعبرية الحديثة، وأظهر فى كتاباته تأثره الشديد بآراء الصهاينة الأوائل مثل هرتزل وبنسكر، وفى عام 1903 بدأ نشاطه الصهيوني العملى فشارك فى المؤتمر الصهيوني السادس، وانتقل إلى إسطنبول بتركيا وأسس شبكة صحافة صهيونية واسعة وتبنى حملة معارضة كبيرة لمشروع إنشاء وطن قومى لليهود فى شرق إفريقيا كحل للمسألة اليهودية، داعيًا لاستيطان فلسطين، ويبدو أنه اقتنع ألا طائل من الكلام، فألقى بالقلم وحمل البندقية، وطاف البلاد يدعو ويؤسس لفيلق يهودي، يحارب به إلى جانب الإنجليز فى الحرب العالمية الأولى، وتكّون الفيلق فى 5 تشكيلات عسكرية، و6400 متطوع يهودى شاركوا إلى جانب بريطانيا فى الحرب ليكسب تأييدها فى إنشاء وطن لليهود فى فلسطين، وكسب رهانه فى تحقيق وعد بلفور، لكن أخطر ما فعله هذا الصهيونى بعد انتهاء الحرب، واكتساب خبرة الفيلق اليهودى، أن عمل على تجنيد اليهود فى شكل عصابات مسلحة تتوجه إلى فلسطين بحجة حماية المستوطنات اليهودية التى بدأت تنتشر فيها، مع الربع الأول من القرن العشرين، وانخرط هو نفسه فى نشاط عصابة “الهاجاناة” قبل أن ينفصل ويؤسس حركة بيتار سنة 1923، وقد عبّر عن الإيديولوجية التى يعتنقها بالقول: “لكل يهودي الحق فى دخول فلسطين؛ والانتقام النشط فقط هو الذي من شأنه أن يردع العرب والبريطانيين؛ والقوة المسلحة اليهودية فقط هى التى تضمن الدولة اليهودية”، وظل جابوتنسكى يمارس من خلال عصابات العنف المسلح اليهودية أعمال الإبادة، والترويع، وإجبار الفلسطينيين على النزوح من أراضيهم وأملاكهم وتركها لليهود، حتى مات فى 3 أغسطس 1940 عن 59 عامًا لكن استمرت عصابات الصهيونية، حتى إعلان دولة إسرائيل فى 1948، فكانت نواة لجيشها، الذى واصل المهمة، حتى زحم كتاب التاريخ بسير مذابحه وكوارثه الإنسانية.
واليوم وبعد مرور370 يومًا على أحدث وأفظع مذبحة صهيونية فى فلسطين يواصل أحفاد جابوتنسكى،
نبى الدم، حصد أرواح الفلسطينيين، حتى بلغت أعداد الضحايا 42 ألف روح بشرية، وأكثر من 100 ألف مصاب، سوف يعيش أغلبهم بعاهاتهم إذا قُدر لهم الحياة.. والأرقام تتحرك أمام أعيننا بالزيادة كل ساعة، ولا نملك ما نستطيع به أن نوقف المذبحة، أو نعطل آلة الزمن، حتى لا تستمر المأساة التى تجاوزت فى بعض فصولها استيعاب العقل البشرى.