أبناء سيناء بذلوا الغالى والنفيس، وقاموا بأداء واجبهم كاملا تجاه وطنهم الحبيب مصر، فكانوا أول مَن سدد فاتورة الدم دفاعًا ليس عن سيناء فحسب وإنما عن الوطن ككل.. وعن ترابه المقدس وأهله الطيبين.
وجاء الوقت كي نحكي بطولات المصريين ومنهم أبناء سيناء ليس سردًا لمرثية هؤلاء الرجال والنساء والأطفال؛ وإنما لرد الفضل لأصحابه، فهم مَن تقدموا طواعية عقب النكسة؛ لمساعدة قواتنا المسلحة فى استعادة الأرض والكرامة ولو كلّفهم هذا بذل الروح والدم، دون أن ينتظروا من يذكرهم، ولم يقدموا على التضحية لمجد يسعون إليه بل لمجد الوطن وأهله.
محمد نبيل
وكانت قبيلة الترابين من قبائل سيناء التى قدمت الكثير من أبنائها، الذين انضموا تحت لواء القوات المسلحة منذ 1967؛ ليكونوا السمع الدقيق والبصر الثاقب لعناصر مخابرات القوات المسلحة، ولم تقتصر أعمالهم على جمع المعلومات الدقيقة فحسب، بل وتصوير معدات وأسلحة العدو ورصد تحركاتهم الفردية والجماعية، والإبلاغ فى حينه عن أي أحداث مهما كانت أحوالها؛ كالتدريب والإنشاءات والتحركات وغير ذلك.
وكان رجال سيناء أشد حرصًا على تلبية نداء الوطن ولو كلفهم ذلك حياتهم، وبالفعل لم تمضِ أيام معدودات على هزيمة يونية 67 إلا واشتاط المصريون أبناء سيناء وغل غليلهم عندما رأت أعينهم العدو الإسرائيلى فى شوارع سيناء، وعزم كل منهم فى قرارة نفسه على أن يقوم بأى عمل من شأنه طرد العدو الصهيونى وتخليص التراب السيناوى من دنس الإسرائيليين.
من بين هؤلاء الرجال كان الشاب عبد الله سليم سالم جهامة من مواليد قرية المقضية عام ١٩٤٢، وكان فتيًّا فى الخامسة والعشرين من عمره، وكان كغيره من أبناء جيله، الذين تملكتهم الغيرة على سيناء، وممن حكَّموا عقلهم فى التفكير بروية للبحث عن أمرين: الأول هو الحفاظ على الجنود المصريين من الأسر فى يد هؤلاء النفر الخسيس، إذ أن الشاب عبدالله ورفاقه كانوا يتألمون أشد ألمًا عندما تتواتر إليهم أخبار عن قتل العدو الصهيونى للجنود المصريين العزل من السلاح وبدم بارد دونما ضمير أو مراعاة للقوانين والمواثيق الدولية بل والأعراف والمبادئ الإنسانية، فكان لزامًا على عبدالله أن يساعد العائدين من الجنود المصريين ليدلهم على طريق آمن من رصد العدو لتحركاتهم، فكان يقوم مع رفاقه شباب سيناء بتجميع الجنود المصريين وتقديم الطعام والشراب لهم وتوزيعهم على مجموعات، ويقوم بتعيين أحد شباب القبيلة كدليل لكل مجموعة يتحرك بهم بين ثنايا الأرض ويسير عبر وديان ودروب غير معروفة للصهاينة، حتى يتجه ناحية ملاحات بئر العبد ثم عبر القناة إلى بورسعيد، وهناك يسلم المهمة لزملاء المقاومة من بورسعيد.
(2)
وظل البطل لأسابيع وشهور عدة على هذا المنوال غير عابئ بتحذيرات العدو الصهيونى من خلال مكبرات الصوت فى شوارع سيناء من التعاون مع الجيش المصرى، وترددت التهديدات، التى مفادها أن أى من أبناء سيناء سيقدم أى شكل من أشكال المساعدة للجنود المصريين سيعرض نفسه للسجن والاعتقال، وبالطبع طال التهديد عوائل الشباب السيناوى الذى لم يكترث بتراهات العدو، وحتى شهر نوفمبر من عام 1967 كان يقوم الشاب عبد الله مع رفاقه من أبناء سيناء بإيواء الجنود والضباط وإخفاء تحركاتهم، وكان ينظم عمليات رعى الأغنام خلف تحركات الجنود مع الدليل حتى يمحو الأثر ويزيل الجرة، فلا يستطيع العدو الصهيونى رصد تحركات المصريين الجنود أو الأدلة، واستعان بعدد من الفتيات السيناويات اللائى لا يقللن وطنية ولا تنقصهن الشجاعة ليقمن بأعمال الإخفاء والتمويه لتحركات القوات والدليل، وبلغ عددهن فى هذه الأثناء ثمانى عشرة بطلة من بطلات سيناء، ومنهن البطلة وداد حجاب والبطلة فاطمة عيد سليمان وغيرهن.
استمر عبدالله على هذا النحو طيلة أربعة أشهر حتى تلاشت تقريبًا علامات تجمعات الجنود المصريين، وكان هذا هو هدفه الأول؛ الحفاظ على القوات المصرية ولو كلفه ذلك حياته، وأما الهدف الثانى فكان البحث عن طريق آمن يستطيع من خلاله معاونة الجيش المصرى ويكون عينه وسمعه فى سيناء، ومن خلال علاقة الأخوة التى نشأت بينه وبين أحد الضباط العائدين وهو النقيب – حينها – عادل فؤاد، الذى ظل مقيمًا لدى عبد الله فى منزله لعدة أسابيع؛ حيث كانت المكافآت التى يعلن عنها جيش الاحتلال نظير الإبلاغ عن الضباط كبيرة، وأيضًا كان العقاب أشد لمَن يخبئ الضباط، كما أن النقيب عادل أراد البقاء حتى يطمئن على رحيل جنوده وضباط الصف التابعين له كافة، وسمحت تلك الفترة بإقامة علاقة أخوية كان أصل ميلادها عند النقيب عادل lما شاهده فى عبدالله من انتماء حقيقى للجيش المصرى وخوفه الشديد على أفراده وكأنه واحد منهم، وبالفعل انطلق هذا السؤال من النقيب عادل لعبدالله: “ممكن أسألك يا عبدالله أنت بتساعدنا ليه؟ وقلبك علينا أوى كده ليه؟ مش خايف من الاعتقال والتعذيب لو اكتشف العدو أنك بتساعد عناصر الجيش المصرى؟ وكمان بتأوى فى بيتك نقيب من القوات المصرية؟” وكان رد عبدالله السريع والتلقائى: “آديك جُلت بلسانك إنهم أعداء، كيف بالله عليك على الإنسان الحر ينصاع لتهديد الأعداء ويترك ابن بلده وأرضه، هى محنة يا خيى حتعدى وحييجى يوم نتحاكى على اللى عمله كل راجل منا، وأنا بعمل اللى يخلينى أدام نفسى – أولًا – راجل”.
ومرت أيام تجاوزت العشرين بقليل وما كان من عبدالله والنقيب عادل إلا اقتسام المأكل والمشرب، بل كان عبدالله يقدم احتياجات عادل على حاجاته ويؤثره على نفسه، وعندما حانت رحلة عبور النقيب إلى الغرب كان عبدالله هو دليله عبر مسارب وطرق وعرة للغاية لا يعلمها إلا الواعين بأسرار سيناء جيدًا، وعندما طالت مدة المرور من سيناء ناحية الملاحات، سأل النقيب عبد الله رفيقه: “قل لى يا عبدالله: ليه المرة ديه بالذات المسافة أطول وزمن الوصول للغرب أكبر من الرحلات السابقة لمجموعات الجنود؟!” ورد عبد الله: “بصراحة لأمرين: أول هام، هو أنى خايف يكون الصهاينة رصدوا تحركات الجنود وجالوا ننتظر لحين ظهور الجائد، وده سبب أنى أخذتك من طريق غير الطرق السابجة، وتانى هام: أنى حتوحشك يا خيى وخايف ما نتلاجاش من تانى، فحبيت أطول الوقت معاك شوية، ما أنت خوى اللى باين ما اجابلوش تانى!” وتدمع عين النقيب والشاب، وبعد عناق طويل يربت كل منهما على كتف الآخر، يقول النقيب عادل وهو يشد على يد عبدالله وكأنه يعاهده: “إن شاء الله حنتقابل… حنتقابل وكتير كمان يا عبدالله، وعمرى ما حنسى إنك كنت بتقدمنى على نفسك فى كل طيب عملته معايا…”، وينظر طويلًا ناحية الشرق، حتى يلتفت خطوة تليها خطوات، وكأنه يعود من ناحية قدومه، ويعود خلفه رفيق دربه عبدالله، ويمد بيده على كتف النقيب عبدالله ويمسكه بشدة وكأنه يرد العهد عليه هو الآخر بدوره: “جسمًا بالله لتعود يا غالى وحياتى تهون أنا واللى معايا لجل ترجع ويرجع معاك رجالة الجيش المصرى، وخُده على خيك عهد وجسم”، ويشده ليعتدل إلى طريقه ناحية الغرب، وقبل أن ينزل إلى الفلوكة على هيئة صياد يخرج الشيخ عبدالله كيسًا بلاستيكيًّا به أفرول النقيب وسلاحه ويربطه بالفلوكة ويقول لرفيقه: “حفظتهم لك زى ما هم بالعين يا خوى، لجل ما ترجع بيهم لسيناء من تانى”. ويلقى بالكيس إلى المالح وكأنه يأتمنه على سره، ويعود الشيخ عبدالله لتجهمه وغلظته: “من غير وداع يا سيادة النقيب، سلام وفى أمان الله”.
وما كانت سوى ثلاثة أسابيع ويتصل عبر وسيط النقيب عبدالله بالشيخ عبدالله ليعلمه على مهمته التى كان يحدثه عنها ويحلم بها؛ فقد تكلف بتقسيم مجموعتين لا يعرف بعضهما بعضًا، واحدة لتصوير مواقع العدو وتحركاته، والثانية لجمع المعلومات المطلوبة بدقة متناهية.
(3)
طار الشاب عبدالله فرحًا فقد اطمأن قلبه وهدأ خاطره بتأكده بتخطيط جيش بلاده للعودة إلى سيناء، وما عليه إلا أن يجتهد فى تنفيذ الأوامر والتعليمات الصادرة له من الغرب ليكون سمع وبصر قواته المسلحة.
بدأ على الفور الشاب عبدالله الانتقاء بعناية فائقة يبحث عن هؤلاء الهادئين والمتريسين، لا مَن يندفع بحماسة الوطنية وقد يفسد المهمة ويطيح ببقية عناصر المجموعة، فكل شباب القبيلة على استعداد للمشاركة، إنما هو كان يدقق فى الاختيار، وطبقًا لشروط سبق وسمعها من النقيب عادل يجب أن يتسم بها جامع المعلومة حفاظًا عليه وعلى مَن حوله، وأيضًا على تمام تنفيذ المهمة بكفاءة واقتدار، ومرت الأيام وتشكلت المجموعتان من أبناء الترابين تحت قيادة الشيخ عبدالله، وقدمت أعمالًا رائعة فى تنفيذ المهام الموكلة إليها، لكن الرجل ما زال يريد الانتقام ولا يشفى غليله جمع المعلومات وتصوير ما يلزم، حتى جاءته التعليمات بتنفيذ عملية جمع معلومات وتصوير فى عمق العدو وليس فى سيناء! وللسرية المطلقة اختار عناصر التنفيذ بدقة متناهية الحكمة، حتى أن العنصر كان يجيد عدة مهارات منها: التصوير والتخفى والتموية والقتال المتلاحم والتفخيخ والتفجير ومحو الأثر، والأهم كان كل منهم يريد العودة بالمهمة ناجحة حتى يسلمها كما كانت أوامر التنفيذ، فلم يتحدث أحد من العناصر الخمسة الذين شكلوا فريق المهمة المستحيلة فى العمق بأنه سيموت، بل كان التخطيط هو العودة لجميع العناصر سالمين حتى تنجح المهمة ليس للخوف من الموت!
شجع نجاح تلك المهمة الغاية فى الأهمية والسرية، التى تم تنفيذها وإتمامها دون أن يلحظ العدو شيئًا فارقًا، وتوالت المهام فى العمق بقيادة الشيخ عبدالله جهامة حتى أنها لم تعد تقتصر على جمع المعلومات فحسب، بل الإغارة بالقوة وجلب وثائق وربما أسرى!
وظل الأمر غاية فى الكتمان حتى عن والدة ووالد الشيخ عبدالله؛ فلم يزد فى الأمر شيئا جديدا إلا أنه كان يقول لوالديه قبيل تنفيذه للعمليات السرية فى العمق: “أنت راضٍ عن ولدك يا بوى؟” ولم يزد عن هذا ببنت شفاة لعلمه بدرجات السرية القصوى وحتميتها، وأما والدته فكان فحسب يلتقطها فى حضنه ويغمض عينيه ليكتم عنها سره، لكنهما هما مَن صنعاه وجاءا به إلى دنيا البطولة، فبعد الانتصار حدثاه عن علمهما بما كان يفعل لا تفصيلًا إنما إجمالًا؛ فقد شعرا – بقلب الوالدين – ببطولة ابنهما وتلمسا حرارة غيرته على أرضه سيناء منذ أن كان يقدم طعامه للنقيب عادل، حتى أن والدته أخبرته فيما بعد: “كنت أجلس بجوارك ليالٍ طويلة وأنت نائم، أخشى من أن تتفوه بكلمة وأنت فى نومك فيسمع سرك غيرى، وكنت أنظر إليك أملى عينى من ولدى الذى أخشى فراقه فى أى من العمليات التى كنت تقوم بها”. وعندما يسألها: “لماذا أخفيتى عنى علمك يا أمى؟” فتجيب بعد تنهيدة طويلة: “يا ولدى كنت عايزاك دايمًا تجول لنفسك لما أمى ما تعرفش يبقى ما حدا غيرها يستحق إنه يعرف سرى، فخفت عليك يخرج سرك من قلبك، حتى لأمك، وكمان يا وليدى أنا بطلة كيف ما ولدى بطل، أنت بتنفذ عمليات ما بعرف غير أنها وطنية وفدائية، وأنا كمان بصبر وأحتسب وأدعى وأصلى لربى ينجيك ويحميك وينجح مرادك، هو ده جليل علىَّ يا وليدى؟!” وهنا يقبل الشيخ البطل يد أمه وجبينها.
ونعود لعمليات المقاومة فى سيناء التى تحولت من الرصد وجمع المعلومات عن العدو إلى تكليف القيادة فى الغرب للشيخ عبدالله بتدمير ونسف بعض الطرق الرئيسة والمدقات المهمة، كما حدث فى عمليات تدمير ونسف طرق منها طريق الحمّة، والميليز، وزاد الأمر إلى تدمير مدرعات العدو المحملة بالأسلحة أو المعدات ذات الأهمية القصوى لديهم وذات أهمية لدى القيادة فى الغرب فى تدميرها وحرمان العدو من استخدامها ضد قواتنا، حتى أن فى إحدى عمليات التدمير والنسف لعدد من اللوريات المحملة بالذخائر ذات الأعيرة المختلفة والقنابل الهجومية، وكان لدينا معلومات دقيقة بحمولة اللوريات، وبعد أن تم إبلاغ القيادة فى الغرب بالمعلومات الدقيقة؛ صدرت لنا الأوامر برصد طرق تحرك اللوريات وتدميرها عن بُعد عن طريق زرع الألغام التى تعلمناها، وكنا نبرع فى أدائها ونتبارى ونحن نغلق أعيننا!
وبالفعل تم رصد محاور تحرك اللوريات والتأكد من حمولتها المطلوب تفجيرها، وعلى طريق بغداد تم تنفيذ المهمة وكنت أراقب انفجار اللوريات وكأنها قنبلة ذرية من خلال المنظار المكبر أو ما نسميه (الدربيل)، وتم توصيل معلومة تمام التنفيذ.
(4)
وفى شهر سبتمبر 1973 جاءت الأوامر بنسف عدة محاور وطرق قد أنشأها العدو لتصلح لمرور حملاته العسكرية، وبالتحديد قامت مجموعة النسف والتدمير ومعها مجموعة المراقبة والتأمين بأعمالهما فى تلغيم كوبرى (لحفن)، وتم إعطاء المعلومة للقيادة فى الغرب بتمام الاستعداد والجاهزية للتنفيذ، وصدرت الأوامر بالتنفيذ وتحدد اليوم والساعة من القيادة بالغرب، وعندما تم اتخاذ جميع إجراءات التنفيذ الآمن للعناصر، وقبيل التنفيذ بخمس عشرة دقيقة؛ ورد عبر وسيط إيقاف العملية التى ظللنا نعمل على تنفيذها وتأمين سريتها أسبوعين كاملين بلا نوم أو راحة، وتعجبت العناصر من القرار لسهولة ويسر التنفيذ، لكن كانت الأطقم مدربة نفسيًّا على الطاعة، لأنه من الأكيد أننا لا نعرف كل شىء فى الميدان، وأن آخرين أمثالنا يعملون على تأمين الجميع وللصالح العام لسيناء.
بالفعل تواتر الخبر بتواجد عناصر بدوية تتكون من خمس أسر ترعى بجوار منطقة التفجير والنسف، وأن القيادة فى الغرب وصل إليها تواجدهم من أعين أخرى فى وقت قريب من وقت التنفيذ؛ لذا تم إلغاء العملية حتى إشعار آخر، بلغ الحزن لعدم التنفيذ مداه فى نفوس رجالى، لكن أيضًا كان لهذا القرار فى عدم التفجير رغم أهميته القصوى التى كنا على علم بأنه يحرم العدو من ميزة تحرك ووصول سريع بقوات كبيرة عبر الكوبرى، إلا أن حياة أهل سيناء كانت تشكل أمرًا أهم بكثير من حرمان العدو من ميزة تكتيكية قد يدفع ثمنها قواتنا فيما بعد، لكن ليس على حساب أرواح الأبرياء من أهل سيناء.
هذا الأمر زادنى ورجالى إصرارًا بالتنفيذ الآمن للمهمة، وقمنا بوضع خطة نقل للأسر الخمسة التى تواجدت فجر يوم التنفيذ، من خلال عرض بشراء أغنامهم بسعر مضاعف، مما أغراهم بالانتقال للبحث عن راعٍ يرغب فى بيع البعض من أغنامه، وبالتالى يزداد ربحهم، وبالفعل تم عرض الخطة على القيادة بالغرب عبر الوسيط، ومع التأكيد عن دقة تنفيذها دون لفت الأنظار لأى شيء، وبعد البدء فى تنفيذ الإجلاء الطوعى للأسر والتأكد من انتقالهم إلى مسافة آمنة بعيدًا عن أثر النسف والتفجير، تلقينا الأوامر بالتنفيذ فى نهاية الليلة الأخيرة من شهر سبتمبر 1973، وما كانت سوى أيام ستة حتى تناقلت الأنباء بعبور قواتنا إلى سيناء من جديد، وتفهمنا حينها أن التفجير لكوبرى لحفن حرم العدو من المناورة بالقوات أو إمداد القوات بالاحتياطى التعبوى.
وتلك بعض من عشرات العمليات التى أديتها مع رجالى أبناء سيناء وفقًا للأوامر من القيادة فى غرب القناة، وبعد هذه السنوات الطويلة التى ما زالت حية داخلى وشاخصة أمام عينى، ومن أجل أولادى سليم وأحمد وبشير ومحمد ومريم وزينب وكل الأجيال القادمة؛ إن كل ما أرجوه الآن هو استمرار تدفق وعبور أبناء الوادى لسيناء؛ لأننى أعلم تمام العلم أن الفراغ قد يغرى!