https://pagead2.googlesyndication.com/pagead/js/adsbygoogle.js?client=ca-pub-5059544888338696

رابط الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية

خبراء صحة وأطباء يفجرون مفاجأة: الخوف من “الوصم” يُعيق علاج الإيدز!

497

تحقيق: مي هارون

حين اكتشفت نوال إبراهيم (اسم مستعار) حملها الأول، كانت في حيرة من أمرها، إذ أنها واحدة من 42 ألف مصري ومصرية مصابين بالإيدز، ذهبت نوال إلى طبيب متخصص فى النساء والولادة لمتابعة الحمل، وعندما أخبرته أنها مريضة بالإيدز، صرخ الطبيب في وجهها رافضًا متابعة حملها: “أنتي عندك بلوى وعايزة تحملي وتولدي وتجيبي لنا تاني بلاوي؟”.

وصف الطبيب لنوال الدواء، وفى اليوم التالي ليلا شعرت بالإعياء ثم أُجهضت، فيما بعد اكتشفت نوال أن الأدوية التي وصفها لها طبيب النساء لم تكن علاجا لتيسير فترة الحمل، بل أقراصًا للإجهاض.

في هذا التحقيق.. تسلط “أكتوبر” الضوء على مرض الايدز، وكيف يسجن صاحبه خلف قضبان الوصم المجتمعي والتمييز!

يُجمع خبراء في الطب تقابلت معهم “أكتوبر”، أن مريض الإيدز يعاقب بالسجن لارتكابه جريمة ربما بشكل كبير لم يكن له يد فيها، وقد تكون العدوى انتقلت إليه دون أن يعرف. وبسبب الإصابة بالمرض يدخل مريض الايدز في سلسلة من سلب حقوقه البسيطة في السكن أو الحصول على خدمة طبية، خاصة العمليات الجراحية، كما يرفضه المجتمع.

خوف المريض من الوصم، كما يقول الخبراء من أكبر التحديات التي تمنع التغلب على المرض، لأنه بطبيعته أصبح سيئ السمعة، ويربطه الأغلبية بالعلاقات الجنسية غير الشرعية، وهو غير صحيح لأن هناك أسبابا كثيرة لانتقال العدوى بالإيدز أبرزها نقل الدم، والحقن الملوثة، ولا يوجد أي سبب علمي للوصم والتمييز، الذي يتعرض له متعايشو الإيدز في مصر، فطرق العدوى به صعبة.

وتعمل وزارة الصحة بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة المشترك للإيدز ومنظمة الصحة العالمية على تطوير استراتيجية القضاء على الإيدز 2030 كمشكلة تهدد الصحة العامة، وهذا يعني وجود متعايشين لأنه مرض مزمن لا يمكن الشفاء منه، ولكنهم قادرون على التحكم في صحتهم بالحصول على العلاج والتمتع بصحة جيدة وبالتالي لا يمثلون خطرا على المجتمع.

وعلى عكس نوال إبراهيم، علمت كريمة أحمد (اسم مستعار) بإصابتها بمرض الإيدز وهي لديها 3 أطفال بسبب ما يحوم حول هذا المرض من معلومات خاطئة، وتقول كريمة، إنها منذ إصابتها بالمرض وهي محرومة من احتضان أطفالها وأخواتها بسبب ما يُقال لها أن العدوى ربما تنتقل إليهم.

في إحدى حملات التوعية، التى تنظمها وزارة الصحة عن المرض تحدثت كريمة مع أحد الأطباء، الذي كشف لها أن كل ما تعلمه عن الإيدز من معلومات هو خاطئ قائلًا لها: إن “مريض الإيدز كمريض السكر لديه علاج دائم فحسب، والعدوى لا يمكن انتقالها عن طريق اللمس أو التعاملات اليومية”.

وتضيف كريمة لم تصدق أمي وأختي كلام الطبيب فحضرا معي المشورة في حملة وزارة الصحة للتوعية للتأكد من المعلومة”.

هنا كان من الضرورى البحث بشكل أعمق عن مراحل الإصابة بالإيدز وأعراضه.

أعراض الإيدز

يمر فيروس نقص المناعة البشري “الإيدز” بثلاث مراحل، وكل مرحلة لها أعراض مختلفة كما أوضحت الدكتورة هبة محمد عبد اللاه، أستاذ طب المناطق الحارة بجامعة عين شمس، ومسئولة عيادة علاج مرض نقص المناعة المكتسبة، متابعة مراحل الأعراض المبكرة أو الإصابة الحادة تظهر بأعراض تشبه الإنفلونزا مثل ارتفاع درجة الحرارة، وآلام بالعضلات أو بالجسم، بالإضافة إلى قلة المجهود، ومن الممكن أن تظهر أعراض العدوى الانتهازية وغالبا لا يلاحظها المريض، إلا عند معرفة الشخص احتمالية تعرضه للفيروس، هنا نطلب منه إجراء تحليل، ولكن عند عدم معرفة الشخص تعرضه للفيروس، تمر الأعراض بدون ملاحظتها.

وأضافت  ثم تأتي المرحلة الثانية وفيها يستمر الفيروس في النشاط ويؤثر على الجهاز المناعي للشخص وهي مرحلة خطيرة لأن الشخص أصبح معدي والمناعة انخفضت، ولكن ليس لديه أعراض وبالتالي لم يبحث عن الإصابة بالتحليل أو طرق التشخيص، مضيفة ثم ننتقل إلى المرحلة الثالثة، وفيها يصاب المريض بنقص شديد في المناعة، ويبدأ يظهر عليه أعراض العدوى الانتهازية، كظهور تضخم أو ورم بالغدد الليمفاوية، ونقص شديد في الوزن، اسهال مزمن، ونقص شديد في المناعة، متابعة أي شخص تظهر عليه هذه الأعراض وهو من ضمن الحالات الأكثر عرضة للإصابة لابد من التوجه إلى المستشفى، لإجراء التحليل والتشخيص، والفئات الأكثر عرضة هم من حصل على نقل دم أو تم إجراء جراحة في مكان غير متأكد من درجة التعقيم فيه أو عند علاقة جنسية مع شخص مشكوك في إصابته أو من يستخدمون الحقن في تعاطي المخدرات.

استراتيجية للقضاء على المرض

وقالت الدكتورة هبة السيد، مدير البرنامج الوطني لمكافحة الإيدز بوزارة الصحة والسكان: إن اكتشاف أول إصابة للإيدز في مصر سنة١٩٨٦، وأن هناك تحديات في الوصول إلى نتائج الخطة الاستراتيجية في معظم الدول المشتركة، لذلك يتم تحديث الخطة الاستراتيجية لمكافحة فيروس نقص المناعة البشري، ضمن آلية تنفيذية تستمر ٥ سنوات بداية من ٢٠٢٥ وتستمر حتى ٢٠٣٠، للقضاء على الإيدز كمشكلة تهدد الصحة العامة.

وأضافت أن الاستراتيجية تستند على مفهوم عالمي مكون من ثلاثة أصفار (000) الأول زيرو إصابات جديدة، والثاني زيرو وصم وتمييز، والثالث زيرو وفيات، أي لا يوجد وفيات نتيجة للإصابة بالإيدز، مؤكدة أغلبية الوفيات التي تحدث بين مرضى الإيدز بسبب أمراض أو فيروسات أخرى نتيجة ضعف المناعة و ليس بسبب الإيدز، متابعة المفهوم العالمي للإيدز كقضية صحية، وحقوق إنسان مرتبط بفئات لها طريقة معينة، والفئات الأكثر عرضة تعاني من وصم وعدم قبول بالمجتمع، فلابد من المساواة والعدالة في الحصول على الخدمات للقدرة على مكافحة الإيدز.

وأوضحت أن هناك 4 آليات لابد من تحقيقها ضمن الاستراتيجية، الأولى تعظيم المساواة في الحصول على الخدمات بسهولة واريحية ولكل الفئات آليات مناسبة، الثانية كيف تكسر الحواجز، كعدم الوعي ومفاهيم الوصم والتمييز، الثالثة ضمان الاستجابة الخاصة في التمويل والمصادر المطلوبة من موارد مالية وبشرية، الرابعة الاستفادة من البيانات بالخطة الصحيحة والاستخدام السليم.

الوصم بالمرض يصل أحيانًا إلى الأطباء أنفسهم، لذلك يقول فادي عبد الحميد (اسم مستعار): إنه منذ علم بإصابته بالمرض لم يذهب إلى الأطباء للعلاج من أمراض أخرى لأنهم يخشون الاقتراب منه. يحكي لنا فادي عن طبيب الأسنان، الذي طرده من عيادته عندما قال له: إنه مريض بالإيدز حيث رفض طبيب الأسنان الكشف عليه رغم ألمه الشديد.

10 نتائج مهمة

النتيجة الأولى الوقاية للفئة الأكثر عرضة، الوقاية توفر مبالغ مالية ضخمة تنفق على العلاج، الثانية الفحص والعلاج، الثالثة منع انتقال العدوى من الأم والجنين، أما النتيجة الرابعة والحديث ما زال للدكتورة “هبة” استجابة تقودها المجتمعات ككل، سواء مجتمع مدني أو الأطباء أو المرضى والمتعايشين،  فالحكومة لا تستطيع التغلب عليه وحدها، الخامسة القضاء نهائيا على الوصم والتمييز، حيث تطول أيضا من يعمل بالإيدز سواء أطباء أو متطوعين، السادسة الخدمات تراعي النوع الاجتماعي للسيدات والرجال وأن تكون بنفس الطريقة والسهولة، السابعة تمكين الشباب ببرامج التوعيةً والخدمات والتوعية لأكثر فئة معرضة للإصابة، الثامنة توافر الموارد والتأكد من استخدامها بالشكل الأمثل، التاسعة التعاون مع قضايا صحية أخرى؛ لضمان الاستمرارية حتى نستفيد ونضمن استدامة الخدمات، العاشرة التعامل مع الكوارث والأزمات.

صفحة “زي أي مرض”!

وأشارت دكتورة هبة السيد إلى إنشاء صفحة على وسائل التواصل الاجتماعي “فيس بوك” تحت اسم “زي أي مرض”، تهدف للتوعية بالمرض وطرق انتقاله والوقاية وتوعية المجتمع لمنع الوصم والتمييز، التي يتعرض له المتعايشين بالإيدز، مشيرة إلى أن نسب الإصابة أعلى بين الذكور عن الإناث في مصر، وذلك لأن الوصول لهم أسهل بالإضافة إلى أن معظم طرق العدوى والسلوكيات التي تؤدي للعدوى كالإدمان تنتشر بشكل أكبر بين الذكور.

وتابعت: تم تحقيق الكثير من النقاط المضيئة خلال عام 2024،  حيث حققنا إنجازا مهما في منع ولادة أطفال مصابة من الأمهات المتعايشات مع المرض، ووصلنا لعدد أكبر من الفئات الأكثر عرضة، توفير 100% من الأدوية ولجميع المتعايشين بتمويل حكومي، إنتاج الخط الأول من الأدوية المضادة للفيروس، وإنتاجها محليا يقلل التكلفة ويضمن الاستمرارية، متابعة معظم المرضى يحصلوا على نوعين من الأدوية، بمتوسط تكلفة للمريض الواحد ٢٠٠٠ جنيه شهريا، ويوجد حقن تؤخذ مرتين في السنة، وتكون للوقاية من الفيروس وليس للعلاج ويحصل عليها الفئات الأكثر عرضة.

طرق العدوى والوقاية

من جهته، قال الدكتور وليد كمال عبد العظيم مدير برنامج الأمم المتحدة المشترك للإيدز: إنه لا يوجد سبب علمي للوصم والتمييز، الذي يتعرض له المرضى، فطرق نقل العدوى أصعب من الكثير من الأمراض، فهو لا ينتقل عن طريق السعال أو العطس، أو التعاملات اليومية العادية أو الملامسة أو حتى الحمامات العادية أو حمامات السباحة، متابعا شروط العدوى تضمن وجود الفيروس، وبجرعة كافية لإحداث العدوى، وطريقة دخوله للدم، فيروس الإيدز لا يعيش كثيرا خارج جسم الإنسان، وعند تجلط الدم أو غسل الأدوات الملوثة بالفيروس بالماء والصابون تصبح القدرة على العدوى ضعيفة.

وتابع أن الوصم والتمييز، الذي يتعرض له المرضى يجعلهم عرضة للإصابة بالأمراض النفسية، فيرفضه المجتمع، ويجد صعوبة في الحصول على حقوقه سواء في السكن أو حصوله على العلاج.

وللوقاية من العدوى عن طريق الجنس، لابد من الامتناع عن ممارسة الجنس قبل وخارج إطار الزواج، والاكتفاء بشريك شرعى آمن، بالإضافة إلى الاستخدام السليم والدائم للواقي الجنسي، أمل بالنسبة للوقاية من العدوى عن طريق الدم.

أوضح “كمال” ضرورة الالتزام بسياسة الدم الأمن، والالتزام بسياسة مكافحة العدوى بالمنشآت الصحية، وعدم المشاركة في أدوات الحقن( سرنجة واحدة مرة واحدة ولشخص واحد).

وللوقاية من العدوى من الأم المصابة للطفل، أكد ضرورة التشخيص المبكر، ورعاية السيدات المصابات، وتنظيم الحمل، وحصول الأم على العلاج بانتظام، والولادة، ويتم حجز الطفل المولود لمدة ٤٨ ساعة داخل الحضانة، بالإضافة إلى حصول الطفل على علاج وقائي لمدة شهر ونصف، والرضاعة الطبيعية، كل هذه الإجراءات نجحت في منع انتقال العدوى من الأم إلى الطفل منذ عام 2014، رغم أن النسب العالمية تؤكد احتمالية انتقال العدوى من الأم المصابة  إلى الطفل بنسبة تتراوح ما بين  25 % إلى 45%، مؤكدا أن إجراءات مكافحة العدوى مطبقة داخل المستشفيات الحكومية لا تحدث العدوى داخلها، كما توفر وزارة الصحة من خلال المبادرة الرئاسية لفحص السيدات الحوامل، تحليل الإيدز لهم كإجراء روتيني.

وكشف الدكتور وليد، عن أن متعاطى المخدرات بالحقن أكثر فئة تتسبب في نقل العدوى بالفيروس في مصر، فهو مرض ليس له علاج، ولكن الأدوية المتاحة تمكنت من تحول الإيدز إلى مرض مزمن، يستطيع المريض التعايش معه دون أن يشكل أي خطر على نفسه أو من حوله، وذلك عن طريق التحكم في الفيروس بعد دخوله الجسم، وتقليل عملية الاستنساخ قدر الإمكان، فتصبح كمية الفيروسات الموجودة داخل الجسم مستقرة ولا تزيد، وأيضًا تقل مهاجمة الخلايا المناعية ويعطى فرصة للجهاز المناعي ليعيد تكوين نفسه، ومعظم المصابين الذين يلتزمون بتلقي جرعتهم الموصوفة لهم، يعيشون حياتهم بشكل طبيعي وحتى فرصة العدوى من هذا الشخص تصبح أقل من فرصة العدوى التي تنتج عن الشخص، الذى لا يتلقى أدويته.