رئيس التحرير
مصر واللاءات الأربع لا للتهجير
By amrفبراير 04, 2025, 20:34 م
387
ما إن وصلت مرحلة وقف إطلاق النار فى قطاع غزة إلى تنفيذ عودة الفلسطينيين لشمال القطاع، حتى شاهد العالم أهم وأقوى وأوقع رسالة، علَّه يدرك ويفيق من غفوته، وتدرك معه الإدارة الأمريكية، والاحتلال الإسرائيلي أن الشعب الفلسطيني لا يمكن له أن يترك أرضه أو يتنازل عنها، حتى وإن تحوّلت إلى بقعة الحياة فيها مستحيلة.
فأطلال المنازل لا تزال تحتفظ بأنفاس أصحابها من أبناء الشعب الفلسطيني الصامد.
مشهد العودة والطوفان الجارف الذي جاء مع ذكرى الإسراء والمعراج كان بمثابة إسراء لأبناء غزة الصامدين إلى ديارهم التي تركوها جرَّاء الحرب البربرية الإسرائيلية، بعد أن ظن قادة الاحتلال استحالة عودة الغزاوية إلى القطاع المدمر فكان الرد طوفانًا هادرًا يمشي على الأقدام، يروي تفاصيل قصة الصمود ويرفض بقوة كل مشاريع تصفية القضية، وسيناريوهات التهجير.
“أميرة” تلك الطفلة الفلسطينية التي جاءت فى رحلة العودة مشيًا على الأقدام مع أسرتها لأكثر من 15 كيلو مترًا كانت رسالتها الموجهة للعالم “إن ركام وأطلال المنازل فى غزة هي جنتي التي لا يمكن لي أن أغادرها”.
أما تلك السيدة الفلسطينية ذات الخمسة والخمسين ربيعًا والتي كانت تنشد خلال رحلة العودة مشيًا على الأقدام قائلة، “شدوا بعضكم يا أهل فلسطين.. شدوا بعضكم..
ما ودعتكم رحلة فلسطين.. ما ودعتكم” بوجهٍ باسمٍ رغم مشقة الرحلة وهي تحمل أغراضها على رأسها فى رحلة العودة للديار إلى شمال القطاع.
إن الطوفان الفلسطيني الهادر فى رحلة العودة والذي شاهده العالم يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن محاولات إبعاد الفلسطينيين عن أرضهم لا تعدو كونها محاولات عبثية لن تصنع أمنًا أو استقرارًا بالمنطقة.
فإذا كانت حكومة الاحتلال تظن أن تدمير المدن الفلسطينية لتحويلها إلى مناطق يستحيل العيش فيها كما فعلت فى غزة والآن تفعل فى “جنين” نفس الشيء، فإنها إدارة واهمة.
فالفلسطينيون لا ولن يتركوا أرضهم، وعلى الاحتلال أن يدرك خطورة ما يفعل من خروقات لوقف إطلاق النار.
فما تفعله حكومة نتنياهو لن يزيد الفلسطينيين إلا قوةً وتمسكًا بأرضهم وقضيتهم حتى وإن تحولت مدنهم إلى إطلال.
فالمشهد المهيب الممتد لرحلة العودة سيرًا على الأقدام يكفي العقلاء أن يدركوا حقيقة الشعب الذي احتفظ بمفتاح داره وظل يورثه لا يمكن له أن يترك أرضه.
(1)
حذرت الدولة المصرية كثيرًا ولا تزال من محاولات تنفيذ سيناريو مسموم لتصفية القضية الفلسطينية فى محاولة للالتفاف على الحل الصحيح والواقعي للقضية التي تجاوز عمرها 77 عامًا.
فمنذ حرب 48 والاحتلال الإسرائيلي يواصل عربدته فى الأراضي المحتلة، ليتوسع على حساب الأراضي العربية.
على مدى أكثر من 77 عامًا كان الاحتلال يصنع الأزمات لإشعال حرب من أجل سرقة مساحات جديدة من الأراضي العربية بشكلٍ عام من دول الجوار، والأراضي الفلسطينية على وجه الخصوص، ولا تزال محاولات سرقة الأرض لا تتوقف وهو ما حذرت منه مصر.
لقد حذر الرئيس عبد الفتاح السيسي من خطورة سيناريو تصفية القضية الفلسطينية، فلن يتم السماح بتهجير الفلسطينيين خارج أراضيهم، ولن يسمح أن يباد الشعب الفلسطيني وهو ما حرصت عليه مصر خلال الخمسة عشر شهرًا الأخيرة، وألا تتوقف لحظة عن تقديم المساعدات للشعب الفلسطيني فى ظل حرب التجويع التي مارستها إسرائيل على قطاع غزة، فمنذ لحظة قيام إسرائيل باجتياح قطاع غزة عقب السابع من أكتوبر قبل الماضي، ومصر تطالب بضرورة وقف الحرب والوصول إلى حل سياسي وأيضًا السماح بوصول المساعدات الإنسانية، فجهّزت مطار العريش لاستقبال المساعدات الدولية، فى الوقت نفسه قدمت مصر أكثر من 80% من حجم المساعدات الدولية وذلك لمواجهة حرب التجويع والإبادة الجماعية ضد أبناء قطاع غزة.
وعقب بدء تنفيذ وقف إطلاق النار فى غزة فى التاسع عشر من يناير الماضي، بدأت مصر على الفور العمل على إدخال المساعدات لتخفيف المعاناة عن كاهل الأشقاء الفلسطينيين فى القطاع.
وقام صندوق تحيا مصر بإطلاق أكبر قافلة مساعدات خرجت من قلب القاهرة إلى قطاع غزة تتألف من 305 شاحنات، تحمل على متنها أكثر من 4200 طن من المساعدات، تشمل الأجهزة الطبية ومستلزمات العناية بالأطفال والأدوية والأغذية الجافة والأطعمة المعلّبة والمياه والملابس والأغطية الثقيلة والمواد المطهرة و11 سيارة إسعاف.
تعد هذه القافلة الرابعة عشرة التي تقدمها مصر منذ بدء حرب غزة عبر ذراعيها التنمويين صندوق تحيا مصر التابع للحكومة المصرية، وتحالف العمل الأهلي التنموي المكون من عشرات المؤسسات الأهلية المعنية بالعمل الإنساني.
(2)
لقد جاءت رسائل الرئيس السيسي خلال المؤتمر الصحفي مع الرئيس الكيني واضحة لا لبس فيها، تؤكد على ثوابت الدولة المصرية بشأن القضية الفلسطينية التي تعتبرها قضيتها المركزية وقضية القضايا.
من هنا جاءت تأكيدات الرئيس على ثوابت الموقف المصري التاريخي بالنسبة للقضية الفلسطينية.
مضيفًا، “لا يُمكن أبدًا الحياد أو التنازل بأي شكل من الأشكال عن تلك الثوابت، وعندما أُشير للثوابت فإني أعني بذلك الأسس الجوهرية التي يقوم عليها الموقف المصري والتي تشمل بالقطع إنشاء الدولة الفلسطينية، والحفاظ على مقوماتها، وبالأخص شعبها وإقليمها، وكل ذلك بمناسبة ما تردد بشأن موضوع تهجير الفلسطينيين”.
وهنا لابد أن نتوقف عند اللاءات الأربع التي جاءت على لسان الرئيس ويتفق معه الشعب المصري بالكامل.
لا لتهجير الفلسطينيين خارج أراضيهم.
لا للمساس بالأمن القومي المصري، فلا يمكن التنازل أو التساهل فى حفظ الأمن القومي المصري.
لا يمكن المشاركة فى ترحيل الفلسطينيين.
لا يمكن التنازل عن الثوابت المصرية باتجاه القضية الفلسطينية.
لقد أكد الرئيس أن ما حدث فى قطاع غزة على مدار ما يقارب الـ15 شهرًا منذ السابع من شهر أكتوبر 2023، كان عبارة عن إفرازات لنتائج سنوات طويلة لم يتم الوصول فيها إلى حل للقضية الفلسطينية، وبالتالي لم يتم التعامل مع المشكلة، وهو ما نتج عنه انفجار الموقف كل عدة سنوات، ويحدث ما رأيناه فى قطاع غزة.. إذن الحل لهذه القضية هو حل الدولتين، وإيجاد دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو لعام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية بحقوق تاريخية لا يمكن تجاوزها.
إن محاولات إعادة إنتاج سيناريو تصفية القضية الفلسطينية على حساب دول المنطقة أصبح سيناريو مفتضحًا وعلى الإدارة الأمريكية الحالية أو أي إدارة أخرى أن تدرك خطورة السير فى ذلك المسار، فهو ليس مسارًا غير مقبول شعبيًا وسياسيًا فقط بل قد يكون سببًا فى انفجار المنطقة بالكامل.
الأمر الذي تحذر منه مصر دائمًا، كما أن محاولات اجترار مخطط الدفع بالفلسطينيين باتجاه سيناء أمر مستحيل فمصر للمصريين كما أن الأراضي الفلسطينية للفلسطينيين.
فقد قامت مصر خلال السنوات العشر الأخيرة بأكبر عملية تنمية شهدتها سيناء على كل المحاور والقطاعات، بدءًا من البنية التحتية والمشروعات الاقتصادية والسياحية والخدمات.
لقد اقترب حجم ما تم إنفاقه حتى الآن على التنمية فى سيناء خلال مرحلتيه الأولى والثانية الحالية ما يقرب من تريليون جنيه، شمل مشروعات مياه الشرب والصرف الصحي والكهرباء والتعليم والطرق والإسكان والاتصالات والصناعة والتنمية الزراعية، كما شمل أكبر عملية ربط بين سيناء والوادي والدلتا، وكذا الربط بين شمال وجنوب سيناء من خلال أكبر حزمة شرايين مرورية تم بناؤها خلال العقد الأخير.
(3)
إن المحاولات الخبيثة التي تصدر بين الحين والآخر إما عن طريق بعض التسريبات أو التصريحات غير المنضبطة تُحدث حالة من الاحتقان تكون عواقبها وخيمة.
فالجميع يدرك أن مصر لديها القوة والقدرة على حماية أمنها القومي وأنها لا يمكن أن تفرّط فى حَبة رمل واحدة من ترابها الوطني، وهى تتعامل بحِكمة شديدة فى إدارة كل الملفات والقضايا.
مصر دولة كبيرة ولها دور محوري إقليميًا ودوليًا؛ وكل القوى الدولية والإقليمية تدرك ذلك وتقدّر الدور المصري فى حل القضايا والأزمات التي تضرب المنطقة.
فإذا كانت الإدارة الأمريكية الجديدة تستهدف إحلال السلام ووقف الحرب فى المنطقة، فعليها أن تدرك أن الحل السياسي هو أفضل الطرق للوصول إلى الهدف (تحقيق الأمن والاستقرار)، أما تبنى وجهة النظر الإسرائيلية فلن يحقق السلام.
كما أن الإدارة الأمريكية الجديدة تمتلك أدوات تجعلها قادرة على الدفع بالحكومة الإسرائيلية باتجاه حل الدولتين وتحقيق السلام الحقيقي فى المنطقة، وهذا هو المسار الصحيح إن رغبت فى ذلك، كما أنه على إدارة ترامب إدراك خطورة المسار الذي تنتهجه إسرائيل بشأن التوسع على حساب الأراضي الفلسطينية، وهو المسار الذي تحذر مصر دائمًا من عواقبه، فهو يخلق مزيدًا من الاحتقان والتوتر والاضطرابات.
لقد جاء رد الشعب المصري عقب التصريحات الأمريكية واضحًا وهو أنه لا تنازل عن حَبة رمل واحدة من تراب الوطن، وأن الشعب المصري بكل أطيافه وفئاته مصطفون خلف القيادة السياسية وقواتهم المسلحة ضد أي محاولة للمساس بالأمن القومي المصري.
كما أن المصريين لن يتوانوا لحظة واحدة عن مساندة ودعم الشعب الفلسطيني حتى إعلان الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية.