رئيس التحرير
رسالة المصريين للرئيس: كلنا معاك
By amrفبراير 10, 2025, 16:40 م
392
تأتي الأزمات دائمًا لتثبت أن الشعب المصري توحّده الشدائد وتقوّيه، بل فى كل مرة يثبت أنه صاحب أول دولة فى التاريخ بمفهومها الشامل، وهو ما يجعله يصطف صفًا واحدًا قويًا صلبًا فى مواجهة أي تهديد للدولة الوطنية، فيستدعي كل قدراته ليواجه أي محاولة اعتداء أو مساس بالتراب الوطني.
خلال الفترة الأخيرة وعقب وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض أصدر مجموعة من القرارات المعبرة عن مرحلة من أخطر المراحل التي سيعيشها العالم، والتي لن تحقق السلام فى الشرق الأوسط أو العالم كما كان يعِد الرئيس الأمريكي فى حملته الانتخابية، مؤكدًا قدرته على وقف الآلة العسكرية وقدرته على وقف الحروب الدائرة، وبالأخص ما يحدث فى الأراضي الفلسطينية المحتلة وما يحدث بين كلٍ من أوكرانيا وروسيا.
جاءت القرارات الأمريكية بمثابة إشعال لمزيد من الحروب والأزمات، بل قد تدفع بالعالم إلى حالة من الفوضى والبلطجة.
ولعلّى فى تلك السطور أقف عند قرارات الرئيس الأمريكي الموقعة خلال أيامه الأولى من الحكم، لكني سأتوقف عند تصريحاته المتلفزة فيبدو أن الرئيس الأمريكي لم يراجع إدارته فيها قبل الحديث بها؛ خاصة أن منطقة الشرق الأوسط ليست بمنطقة هادئة، بل هي من أكثر المناطق توترًا مما يؤثر سلبًا على الأمن والسِّلم الدوليين، لتأتي تصريحات الرئيس الأمريكي لتكون أشبه بمَن يسعى لسكب المزيد من الزيت على النار.
تصريحات الرئيس الأمريكي التي سبقت زيارة نتنياهو وبعدها تلك التصريحات الصادرة عنه خلال لقائهما بواشنطن تدل بما لا يدع مجالاً للشك، أن ترامب لم يتفحص القضايا بشكل دقيق قبل الحديث عنها، كما لم يدرك عواقب تلك التصريحات ومدى تأثيرها على استقرار العالم وليس منطقة الشرق الأوسط فقط.
(1)
جاءت تصريحات المتحدثة باسم البيت الأبيض محاولة إيجاد مخرج من الحرج السياسي الذي أوقع فيه ترامب الإدارة الأمريكية أمام العالم، عندما جاء متحدثًا عن إرسال قوات أمريكية إلى غزة لتأتي المتحدثة باسم البيت الأبيض قائلة، “الرئيس دونالد ترامب لم يقدم بعد التزامًا بشأن سيطرة الولايات المتحدة أو نشر قوات أمريكية فى غزة وفق مقترحه بفرض السيطرة الأمريكية على القطاع”.
تصريحات الرئيس الأمريكي حول الأوضاع فى غزة لا تستهدف تحقيق السلام كما يزعم، بل جاءت بمثابة إزاحة الستار كاملاً عن سيناريوهات مخطط تصفية القضية من خلال دعم الرؤية الإسرائيلية بتهجير الفلسطينيين خارج أراضيهم.
الدولة المصرية كانت منذ البداية قد حذرت من مثل تلك التصرفات أو التصريحات، وهو ما جاء على لسان الرئيس عبد الفتاح السيسي من قبل، وقبل عدة سنوات عندما تحدث لوزير الخارجية بلينكن فى عهد الرئيس بايدن فى 15 أكتوبر 2023، فقد كان الموقف المصري واضحًا وحاسمًا، ولا يزال الموقف المصري ثابتًا لم يتغير من رفضه للتهجير وتأكيده أن الحل لتحقيق السلام العادل والشامل هو إعلان حل الدولتين وإعلان إقامة الدولة الفلسطينية.
فالتأخير فى حل القضية الفلسطينية يترتب عليه المزيد من الضحايا، ورد الفعل الإسرائيلي تجاوز مبدأ حق الدفاع عن النفس إلى العقاب الجماعي، بل وصل إلى حد الإبادة الجماعية.
إن الثوابت المصرية بشأن القضية الفلسطينية لن تتغير أو تتبدّل، فهي تأتي من منطلق ثوابت راسخة دفعت مصر ثمنها أرواح ودماء العديد من أبنائها للحفاظ على الدولة والحق الفلسطيني، فلن يتحقق السلام والاستقرار إلا بإعلان الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.
كما أن الدولة المصرية ستواصل دعمها للأشقاء الفلسطينيين حتى إعلان دولتهم وستعمل على تخفيف حجم المعاناة التي يعيشونها نتيجة التدمير الذي خلفته الآلة العسكرية الإسرائيلية فى الأراضي المحتلة.
كما ستظل القضية الفلسطينية هي القضية الأم للدولة المصرية والتي لن تتوانى لحظة فى الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني وتوضيح الصورة الحقيقية أمام المجتمع الدولي لما يحدث من انتهاكات إسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني.
ستظل مصر حجر عثرة قويًّا فى طريق تنفيذ مخطط التهجير، كما ستواصل عملها على إعادة بناء القطاع من أجل أن يصبح مهيئًا للحياة.
(2)
جاءت تصريحات الرئيس الأمريكي جميعها تشير إلى مخطط مرسوم وهناك مساعٍ للسير باتجاه تحقيقه من خلال إخلاء قطاع غزة من السكان بزعم إعادة الإعمار، وجاءت تصريحات عدد من أعضاء الحكومة الإسرائيلية تؤكد هذا المسار غير القانوني والمعبِّر عن استمرار البلطجة الإسرائيلية بدعم أمريكي.
الأمر الذي جاء رد الخارجية المصرية عليه قاطعًا وفوريًا، محذرة من تداعيات مثل تلك التصريحات فقد حذرت وزارة الخارجية المصرية، الخميس الماضي فى بيان لها، من تداعيات التصريحات الصادرة لعدد من أعضاء الحكومة الإسرائيلية حول بدء تنفيذ مخطط تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه، وهو ما عدته «خرقًا صارخًا وسافرًا للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني ولأبسط حقوق المواطن الفلسطيني، ويستدعي المحاسبة»، بل حذرت من «مخاطر قد تنتج عنها على المنطقة بأكملها».
وسبق وأعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي، الخميس الماضي، أنه بدأ وضع خطة لتسهيل ما زعم أنها «مغادرة الطوعية» لسكان غزة، فيما كرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مقترحه بأن تسيطر بلاده على القطاع الفلسطيني بعد ترحيل سكّانه، والإعلان الذي جاء على لسان وزير الحرب الإسرائيلي “يسرائيل كاتس” يأتي فى ظل تحذير الأمم المتحدة من أي «تطهير عرقي».
وقال كاتس فى بيان «أوعزتُ للجيش بإعداد خطة تسمح لأي ساكن فى غزة يرغب فى المغادرة بالقيام بذلك، إلى أي بلد يرغب باستقباله».
وأضاف «ستشمل الخطة خيارات الخروج من المعابر البرية، بالإضافة إلى الترتيبات الخاصة للمغادرة عبر البحر والجو»، ولا يستطيع سكان غزة حاليًا مغادرة القطاع الخاضع لحصار إسرائيلي والمدمّر إلى حدٍّ كبيرٍ بسبب حرب الإبادة على القطاع.
وأكدت الدولة المصرية «الرفض الكامل لمثل هذه التصريحات غير المسئولة جملة وتفصيلاً»، مشددة على أنها «ترفض تمامًا أي طرح أو تصور يستهدف تصفية القضية الفلسطينية من خلال انتزاع الشعب الفلسطيني أو تهجيره من أرضه التاريخية والاستيلاء عليها، سواء بشكل مرحلي أو نهائي».
كما حذر الرئيس السيسي من «تداعيات تلك الأفكار التي تعد إجحافًا وتعديًا على الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ولن تكون مصر طرفًا فيه»، مؤكدة «ضرورة التعامل مع جذور الصراع والتي تتمثل فى وجود شعب تحت الاحتلال منذ عقود عانى خلالها من كل أشكال التهجير والاضطهاد والتمييز، وهو ما يتعين العمل على إنهائه بصورة فورية واستعادة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف وفقا لمرجعيات الشرعية الدولية».
وأعادت الخارجية التأكيد على «ضرورة تنفيذ وقف إطلاق النار فى غزة بمراحله الثلاثة وبصورة دائمة»، منوهة إلى «اعتزامها الانخراط بصورة فورية مع الشركاء والأصدقاء فى المجتمع الدولي فى تنفيذ تصورات للتعافى المبكر وإزالة الركام وإعادة الإعمار خلال إطار زمني محدد، ودون خروج الفلسطينيين من قطاع غزة، خاصة مع تشبثهم بأرضهم التاريخية ورفضهم الخروج منها».
(3)
إن المحاولات العبثية من جانب حكومة نتنياهو والإدارة الأمريكية الجديدة لتصفية القضية بتهجير الشعب الفلسطيني خارج أراضيه لن تتحقق ما دامت الدولة المصرية موجودة والشعب الفلسطيني صامدًا على أرضه.
فمصر عندما تحذر من مغبة الانخراط المتواصل فى تنفيذ مخطط تصفية القضية الفلسطينية فيكون ذلك لإدراكها خطورة ذلك المسار.
فالشعب الفلسطيني الذي تحرك فى موجةٍ ضخمةٍ باتجاه العودة إلى شمال غزة رغم الدمار وفق الجدول الزمنى للهدنة لن يقبل أبدًا ترك أراضيه مهما حدث.
وإذا كانت واشنطن تزعم أنها تستهدف إعادة إعمار غزة فهناك أكثر من 114 ألف كيلو متر فى الأراضي الفلسطينية (النقب) يمكن انتقال الفلسطينيين إليها ثم العودة مرة أخرى، خاصة أن هذه المنطقة يمكن لها أن تستوعب سكان القطاع بالكامل.
أما الحديث الأمريكي عن ضغوط من الممكن ممارستها على كل من مصر والأردن لقبول سيناريو التهجير، فهذا السيناريو مستحيل الحدوث، مهما فعلت الإدارة الأمريكية.
فما صرح به الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال المؤتمر الصحفي مع الرئيس الكيني بقصر الاتحادية من رفض مصر للتهجير وعدم المساس بأمنها القومي ورفض تصفية القضية الفلسطينية، ولا حل سوى قيام الدولة الفلسطينية على حدود 1967 جاءت جموع المصريين على معبر رفح تؤيد ذلك فى تفويض جديد للرئيس السيسي مؤكدة وعي الشعب المصري وإدراكه لحجم المخطط المرسوم للمنطقة.
لقد جاءت ردة فعل الشارع المصري على التصريحات الأمريكية الإسرائيلية، كاشفة لحجم الاصطفاف الوطني خلف القيادة السياسية، ومؤكدة أن محاولات التلويح بالأزمات الاقتصادية لن ترهب المصريين بل ستزيد من قوتهم وتوحد صفوفهم، فالشعب الذي بنى السد العالي بعد رفض صندوق النقد الدولي تمويل المشروع بضغوط أمريكية، قادر على مواجهة أي تحديات، وهو ما تحدّث به العديد من المصريين فى الشارع وفى اللقاءات المختلفة، من مختلف الطوائف والفئات.
لقد تحدث إلىّ عدد من أهلنا فى الريف خلال زيارتي الأسبوع الماضي لقريتنا، وكعادتهم دائمًا يسألون عن تطورات الأوضاع وبعد حديث طويل حول تفاصيل المخطط الذي يحاك للمنطقة، ليأتي الرد بإجماع كامل «كلنا معاه» يقصدون مع الرئيس السيسي.
بل إن أحدهم فاجأني وهو فى السبعين من عمره بلهجته العامية قائلاً: «تعرف يا أستاذ، لو الرئيس السيسي طلب هكون أول واحد على الحدود، هاخدها مشي إحنا كل حبة رمل فيها حررناها بالدم».
واستكمل قائلاً: «إحنا على فكرة شعب قوي اوعى تفتكر إن كل واحد فينا لما يتكلم عن أسعار أو غيرة هيتكلم عن كل التفاهات دي وقت لما مصر تطلبنا إحنا هنكون أقوى من الحديد ذاته.. إحنا شعب جبار لما يقرر يفعل ولما يغضب اللي قصاده لازم يحسب له ألف حساب، الظروف الاقتصادية ياما تحملنا اللى أصعب منها بس عمرنا ما فرطنا فى بلدنا».
ثم أنهى كلامه: «إحنا عندنا جيش يهد الأرض هد بس إحنا بنتعامل بعقل، وهو ده الفرق بين مصر وأي حد تانى.. أوعى تفتكر إننا مفهمناش دلوقتى أهمية تحديث وتطوير الجيش الفترة اللي فاتت، ولا أهمية اللى الرئيس عمله من مشروعات، إحنا مكناش واخدين بالنا بس دلوقتي فهمنا كويس حجم المخطط.. اوعى تفتكر إننا مش فاهمين كل اللي بيحصل وعارفين المخطط هدفه مصر، وإن الرئيس واقف لهم زي العقلة فى الزور، علشان كده كلنا معاه ومع الجيش صف واحد».
إنه رد فعل المصريين، فالجميع يقف صفًا واحدًا للحفاظ على الدولة المصرية.