قد يظن مَن يقرأ العنوان للوهلة الأولى أن هناك معركة عسكرية تدور رحاها على أرض سيناء حاليًا، أو مواجهات مع الإرهاب لا تزال قائمة، وهو ما ليس بواقع.
ف سيناء رغم أنها شهدت العديد من المعارك على أرضها منذ فجر التاريخ، فهي بوابة الدولة المصرية الشرقية، إلا أن المعركة لم تنتهِ بعد.
فقد سطر الأبطال من أبناء الشعب المصري العظيم وجيشها العصي على كل مَن تسوِّل له نفسه النيل من تراب هذا الوطن، صفحات من البطولة والفداء والتضحية.
تاريخ كتبت حروفه بماء الذهب وصنعت صفحاته دماء الأبطال الطاهرة التي روت الأرض التي تجلى الله عليها فاصطفاها، وبارك فيها، وآمن كل من يدخل إليها.
ونحن نحتفل بالذكرى الـ43 لـ تحرير سيناء أرض السلام، علينا أن نسترجع أجزاءً من تاريخ الأبطال وأمجاد الأجداد والآباء، ومعارك شهدتها ولا تزال حتى الآن، فمعركة سيناء لم تنتهِ بعد.
43 عامًا مضت على خروج آخر جندي إسرائيلي من سيناء ليعلن تحريرها كاملة سوى طابا ، التي قادت مصر ملحمة بطولية أخرى فاستردتها كاملة.
وفي 29 سبتمبر 1988 تم الإعلان عن حكم هيئة التحكيم فى جنيف بسويسرا فى النزاع حول طابا، وجاء الحكم فى صالح مصر مؤكدًا أن طابا مصرية، وفى 19 مارس 1989 كان الاحتفال التاريخي برفع علم مصر معلنًا السيادة على طابا وإثبات حق مصر فى أرضها.
لقد كان قدر سيناء أن تكون مسرحًا للعديد من المعارك والمواجهات العسكرية دفاعًا عن الوطن، أو تنطلق منها جيوش النصر دفاعًا عن الأمة والمنطقة العربية ضد الغزاة.
فتُروى رمال أوديتها وهضابها وسهولها بدماء الأبطال وتسطر ملاحم البطولة، وتشهد عودة الجيوش المنتصرة، أو تكون مقبرة لغازٍ ظن أنه يستطيع الاستقرار فى تلك الأرض المباركة، فتأبى أن تقبل ذلك، ويهب الأبطال مدافعين عنها فيكون النصر حليفًا لهم.
(1)
منذ عهد القدماء و سيناء أرض البطولة والسلام فى ذات الوقت، تسطر عليها ملاحم القتال ويرتفع على أرضها صليل السيوف الباترة لأعناق كل من تسوِّل له نفسه الاعتداء على حبة رمل منها، وأرض السلام لكل من يبحث عن الأمن والسكينة ويستجير بأهلها طالبًا المساعدة، فتهب الجيوش المصرية استجابة لنصرته طالما كان صاحب حق.
فطرد المصريون الهكسوس ولاحقوهم عبر سيناء فى معركة كبرى فى عهد تحتمس الثالث، وتم تأسيس أكبر امبراطورية فى ذلك الوقت.
وفى عام 525 قبل الميلاد شهدت سيناء مواجهة بين المصريين والفُرس فى معركة «الفرما» التي هُزم فيها ملك الفرس قمبيز بن قورش.
وهاجم الصليبيون مصر عبر سيناء أكثر من مرة وفى عام 1187 م كانت سيناء معبرًا لجيوش صلاح الدين الأيوبي فى حروبه ضد الصليبيين، وهزيمتهم فى موقعة «حطين»، وقد زاد الاهتمام ب سيناء وتحصينها عن طريق بناء القلاع الحربية، مثل قلعة الجندي، كما قام الصالح نجم الدين أيوب فى نهاية العصر الأيوبي ببناء بلدة الصالحية، فى أرض السباخ امتداد سبخة “البردويل” عام 1246 م، لتكون محطة على الطريق الموصل إلى الشام.
كما عبر الجيش المصري سيناء بقيادة سيف الدين قطز، لحماية البلاد من الغزو المغولي والتتار، وهزيمتهم فى موقعة «عين جالوت»، ويعد هذا العصر بداية مرحلة من الاستقرار فى شبه جزيرة سيناء، فقد اهتم السلطان “بيبرس” بتمهيد طريق السويس -العقبة، ليكون طريق الحج المصري، كما أمَّنُوا الطريق إلى الشام، وكذلك فى عهد “السلطان الغوري” حيث اهتم بإنشاء القلاع فى سيناء .
فى عهد الدولة العثمانية رفض السلطان سليم الأول هجرة اليهود إليها لوقف مطامعهم فيها، كما أنشأ قلعة الطور هناك، وفي عهد السلطان سليم الثاني تجددت رغبة اليهود مرة أخرى فى الهجرة إلى سيناء، وكانوا يهاجرون بطرق متقطعة وبدأت هجرة اليهود برجل يهودي يدعى إبراهام اليهودي هو وأسرته، ثم أتت بعد ذلك العديد من الأسر اليهودية إلى أن قُدمت فيهم شكوى للسلطان العثماني لسوء معاملتهم لرهبان الدير.
عندما احتل الإنجليز مصر حاولت بريطانيا استمالة بدو سيناء ضد الحركة العرابية، لكنهم رفضوا محاولة بريطانيا التي قام بها «بالمر» عام 1882 وقضوا عليها؛ وعندما تمكن الإنجليز من احتلال مصر ألقوا القبض على 12 شخصًا من سيناء لمحاكمتهم.
وفى عام 1902 بدأ “تيودور هرتزل” مساعيه للحصول على موافقة سلطان الانتداب البريطاني فى مصر على إقامة مستعمرة يهودية فى سيناء، وكان موقف مصر هو عدم التفريط فى شبر واحد من أرضها، وعادت بعثة “هرتزل” بعدما مُنيت بالفشل.
(2)
أما القرن العشرين فقد شهدت سيناء أربعة حروب..
الأولى عام 1948 فور إعلان نشأة إسرائيل فى مايو عام ١٩٤٨ م، اندلعت الحرب العربية الإسرائيلية الأولى فى 29 ديسمبر عام1948 م، فيما حاولت القوات اختراق الحدود المصرية الشرقية، فرُدت على أعقابها، واستمرت المناوشات حتى توقفت العمليات العسكرية بين مصر و إسرائيل فى 29 ديسمبر 1949م.
في نوفمبر عام 1955 شنت القوات الإسرائيلية هجومين على «الكنتلة والضيعة» فى شمال سيناء، وقامت القوات المصرية بصدها، وفى 29 أكتوبر عام 1956، قامت “إسرائيل، فرنسا، انجلترا” بشن هجوم على مصر، عرف بالعدوان الثلاثي الذي استمر خمسة أيام وأسفر عن احتلال إسرائيل لسيناء، ونجحت القوات المصرية فى إخلاء الإسرائيليين عن أرضها بالكامل فى عام 1957 م.
ثم قامت إسرائيل فى 5 يونيو عام 1967 بشن هجوم على مصر، واحتلت سيناء بالكامل وحولتها إلى خط دفاع محصن بإقامة خط بارليف، وقد ظلت سيناء تحت سيطرة الاحتلال الإسرائيلي لمدة 6 سنوات، استنزفت مواردها، واستولت على كنوزها وخيراتها، ولم يكن ممكنًا أن تتطهر أرض سيناء من هذا الاحتلال إلا بتضحيات كبرى، تمثلت فى حرب الاستنزاف التي قام بها الجيش المصري، واستعداد قتالي لمعركة استرداد الكرامة أكتوبر 1973.
كانت حرب الاستنزاف رسالة قوية للعدو الذي لم يقرأها جيدًا وكذا دول العالم المساندة لإسرائيل، كان مفادها أن الجيش الذي يقف خلفه شعبه ويؤمن بقدرته على تحرير الأرض، لن يقبل الصمت على احتلال جزء من أرضه، حتى لو قدم كل أبنائه شهداء فى تلك الحرب.
سطر الأبطال من القوات المسلحة العديد من الملاحم والبطولات التي لا تزال تدرس فى المعاهد والكليات العسكرية حول العالم، ومنذ اليوم الأول كانت ملحمة رأس العش، وإغراق المدمرة إيلات، وتدمير ميناء إيلات وتدمير ناقلتي الجند بيت شيفع، وبات يم، التي أكدت للعدو أن ما حدث فى 5 يونيو 1967 لم يكن سوى كبوة جواد سرعان ما سيعود قويًا يواجه المخاطر ويحرر الأرض.
ثم كانت الحرب الرابعة فى 6 أكتوبر 1973 ليسطر الأبطال أكبر معجزة عسكرية بكل المقاييس، مما يجعلها من أهم الحروب فى القرن العشرين والتي تعتبرها الكليات والمعاهد العسكرية أكبر معركة عدلت العديد من النظريات والقواعد وفنون القتال.