الرئيسية سياسة بكين أصبحت أكثر تشددًا.. ألمانيا تخطط للتخلى عن أكبر شريك تجارى لها
سياسةشئون دولية
بكين أصبحت أكثر تشددًا.. ألمانيا تخطط للتخلى عن أكبر شريك تجارى لها
By amrيوليو 24, 2023, 14:58 م
784
موجة توتر «استباقية» تضرب العلاقات الأوروبية مع الصين، وذلك بعد أن أعلن المستشار الألمانى أولاف شولتز عن استراتيجية «خفض الاعتماد» على الصين، مؤكدا أن الهدف «ليس القطيعة مع الصين وإنما خفض الاعتماد عليها» كخطوة استباقية للتخلص من «المخاطر وتقليل التبعية لبكين» وتقليل التأثيرات الاقتصادية على أوروبا فى المستقبل. وعلل شولتز، ضرورة صدور الاستراتيجية الجديدة؛ لقدرتها على التعامل مع نهج الصين الذى يزداد «تشددا» على حد وصفه.
عمرو حسين
تعد الصين أكبر شريك تجارى لألمانيا، حيث وصل حجم التجارة الثنائية إلى مستوى قياسى بلغ 300 مليار دولار العام الماضى.
وتشرح وثيقة الاستراتيجية الألمانية الواقعة فى 64 صفحة، مفهوم العلاقات الألمانية الصينية من وجهة نظر برلين، على أن الصين اتبعت مسارًا أدى إلى نمو اقتصادى قوى واستطاعت تقليل الفقر وتحقيق ازدهار كبير للبلاد، من خلال سياسة الإصلاح والانفتاح وزيادة التعاون الدولى، منتقدة أن ترافق بكين ذلك مع انفتاح محدود للمجال السياسى والاجتماعى فى البلاد، وأشارت الاستراتيجية إلى تناقض الازدهار المتزايد والإنجازات فى مكافحة الفقر فى الصين، مع الانتكاسات المتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية.
وترفض ألمانيا من خلال الاستراتيجية، أن تركز الصين على التعاون الاقتصادى وتتجاهل أوجه التعاون السياسى والمجتمعى والعلمى.
وتهدف الاستراتيجية الاقتصادية إلى جعل ألمانيا أقل اعتمادًا على البلدان الأخرى، وتأتى الصين فى مقدمة أكبر سلاسل الإنتاج الدولية التى تعتمد عليها ألمانيا. وتم اتخاذ خطوات لتحرير ألمانيا من التبعية، وتشديد شروط وصول الصين إلى السوق الألمانية.
وفيما يتعلق بالسياسة الخارجية، ترى الاستراتيجية أن الصين تسعى إلى تحقيق مصالحها الخاصة بشكل أكثر حزمًا، وتحاول بطرق مختلفة إعادة تشكيل النظام الدولى القائم، وأن هذا له تأثير على الأمن الأوروبى والعالمى.
وتؤكد الاستراتيجية أن الصين تعد شريكًا أساسيًا لألمانيا فيما يتعلق بالتحديات العالمية، ولكنها تظل أيضا منافسًا ومنافسًا منهجيا للحكومة الفيدرالية الألمانية.
من جانبها، أعلنت بكين رفضها استراتيجية ألمانيا الجديدة، مؤكدة أنها ستزيد من «المخاطر من صنع الإنسان» و «تؤدى إلى تفاقم الانقسامات» فى العالم، مضيفة أن «اعتبار الصين مصدرًا للخطر هو سوء تقدير قاتل».
وقالت الخارجية الصينية: «نعتقد أن المنافسة والحمائية باسم (خفض المخاطر)، وخفض الاعتماد كليا تضفيان طابعا سياسيا على التعاون الطبيعى»، مؤكدة أن هذا التحرك، «سيعطى فقط عكس النتيجة المرجوة ويخلق مخاطر من صنع الإنسان».
وقال «وو تشيان»، وهو أكاديمى ومعلق سياسى مستقل فى الصين، لـ «دويتشه فيله»: «من المرجح أن تخيب هذه الاستراتيجية آمال الدبلوماسيين والقادة الصينيين لأنها لا تحقق أهداف جهود الضغط التى تبذلها الصين لزيادة التعاون الاقتصادي».
يشار إلى أن ألمانيا انتقدت فى السنوات الأخيرة مرارًا وتكرارًا مطالبات بكين الإقليمية الواسعة فى بحر الصين الجنوبي، والتدخل العسكرى فى تايوان، وقمع الحريات الديمقراطية فى هونج كونج، وإساءة معاملة مسلمى الأويجور فى منطقة شينجيانج بغرب الصين، بالإضافة إلى أنه منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، كانت برلين قلقة من علاقات بكين الوثيقة مع موسكو.
وردت بكين بأنها تعارض بشدة التدخل الأجنبى فى الشئون الداخلية للصين فى قضايا مثل تايوان وشينجيانج وهونج كونج وانتهاكات حقوق الإنسان المزعومة.
وكتبت ميليسا إيدى، الصحفية والمحللة فى صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، أن الاستراتيجية الألمانية الجديدة تدعو إلى فرض ضوابط على الصادرات وفحص الاستثمارات من قبل الشركات الألمانية التى تقوم بأعمال تجارية فى الصين لحماية تدفق التكنولوجيا الحساسة، لكنها فشلت فى معالجة الكيفية التى تخطط بها برلين لمراجعة الاستثمارات الصينية فى ألمانيا، وهى نقطة كانت سببًا للقلق مؤخرًا.
وأكدت «ميليسا» أن الاستراتيجية الألمانية الجديدة تتخذ خطاً أكثر صرامة تجاه الصين من تلك التى تبنتها حكومة المستشارة أنجيلا ميركل، والتى كانت تنظر إلى الصين كسوق نمو ضخم للبضائع الألمانية، وفر أكثر من مليون وظيفة ألمانية، وحجم تبادل تجارى يقرب من نصف جميع الاستثمارات الأوروبية فى الصين.
وترى المحللة الأمريكية أن السؤال حاليا هو ما إذا كانت الشركات ستدعم هذه السياسة وكيف ستدعمها، مشيرة إلى أن بعض الشركات متوسطة الحجم والتى تقودها العائلات الألمانية تقول إن المخاطر الجيوسياسية أدت إلى تعقيد أعمالها فى الصين، لكن الشركات الصناعية الرائدة، مثل باسف BASF وفولكس فاجن، ضاعفت الاستثمارات الألمانية فى الصين.
من جانبها، نقلت «إذاعة صوت أمريكا» عن محللين قولهم إن التحول الاستراتيجى يسلط الضوء على محاولة ألمانيا أن تكون أكثر «حصافة» فى علاقاتها الاقتصادية مع بكين. كما أكدوا أن تركيز الخطة على المحيطين الهندى والهادئ والحاجة إلى تكثيف التعاون العسكرى يظهر اعتراف ألمانيا بالصلة بين الأمن فى آسيا ومصالح برلين.
وقال إيان تشونج، أستاذ العلوم السياسية فى جامعة سنغافورة الوطنية، إن الاستراتيجية الجديدة هى «انعكاس لبعض أفكار ألمانيا بعد الحرب فى أوكرانيا»، وأوضح أنها تُظهر أن برلين تعلمت أن المصالح الاقتصادية لا يمكن أن تساعد بالضرورة فى الحفاظ على السلام.
وأكد تشونج أن مضيق تايوان يعتبر أحد أهم القضايا الرئيسية فى منطقة المحيطين الهندى والهادئ المشار إليها فى الاستراتيجية، وتطالب ألمانيا بالحفاظ على الوضع الراهن فى مضيق تايوان، وهو أحد أكبر بؤر التوتر فى المنطقة.
وأشار تشونج إلى أن الاستراتيجية أكدت أنها تعمل من أجل خفض التصعيد حول تايوان لأن الأمن فى مضيق تايوان «ذو أهمية حاسمة للسلام والاستقرار فى المنطقة وخارجها، الوضع الراهن فى مضيق تايوان قد يتغير فقط بالوسائل السلمية والموافقة المتبادلة»، مضيفة أن التصعيد العسكرى سيؤثر أيضًا على ألمانيا وأوروبا.
وبشكل أوسع، يمكن رؤية استراتيجية ألمانيا الجديدة تجاه الصين، على أنها خطوة حاسمة ضمن منظومة المواجهة الأوروبية، حيث وضعت هولندا فى شهر يونيو ضوابط على تصدير معدات المنبع لأشباه الموصلات، بما فى ذلك تلك المستخدمة فى الترسيب، والتركيب، والطباعة. بينما وضع الاتحاد الأوروبى استراتيجية للأمن الاقتصادى تهدف إلى إجراء فحص أوثق للقضايا المتعلقة بمرونة سلسلة التوريد، وأمن التكنولوجيا. وفى الوقت نفسه، شددت الولايات المتحدة سيطرتها على صادرات رقائق الذكاء الاصطناعى إلى الصين.