رئيس التحرير
غاب السلام عن أرض السلام
By amrيناير 06, 2025, 15:58 م
398
عَلَت أصوات المصلين ودعواتهم تطلب أن يحل السلام على العالم خلال الاحتفال بأعياد الميلاد التي لا تزال آثار أفراحها تزين الشوارع، لكن تلك الأفراح والزينات غابت عن أرض السلام، أرض ميلاد المسيح عليه السلام.
خفتت أصوات ترانيم السلام بعد أن عَلَت أصوات القذائف والقصف وإطلاق الرصاص لجيش الاحتلال، تغتال الحياة ويغيب معها السلام عن أرض السلام.
أكثر من 15 شهرًا لم تتوقف خلالها آلة الحرب الإسرائيلية عن تقويض السلام، وإحلال الدمار والقتل فى الأراضي الفلسطينية المحتلة.
العربدة الإسرائيلية تتمدد فى المنطقة لكنها ترتكز بشكل أساسي لتنفيذ خطة تفريغ فلسطين من أبنائها.
استقبلت غزة العام الجديد بقصفٍ جنوني راح ضحيته 15 شهيدًا وإصابة 20 جريحًا فى جباليا.
الغارة الجوية الإسرائيلية استهدفت أحد المنازل الفلسطينية التي تأوي نازحين فى شمال القطاع هربًا من القصف الإسرائيلي الغاشم.
كما تم تنفيذ عمليات نسف لعدد من المنازل الفلسطينية فى شارع غزة القديم، بالإضافة إلى عدد من المباني السكنية الأخرى شمال القطاع، وأُخليت عدد من المربعات السكنية بوسط قطاع غزة بمخيم البريج، أما فى الجنوب فكانت مدفعية قوات الاحتلال تقصف شمال غرب مدينة رفح، وكذا الأحياء الشرقية من خان يونس وكأنها تحتفل بأعياد الميلاد بإسقاط مزيد من الضحايا من الشعب الفلسطيني الأعزل.
(1)
قبل عدة أيام ذكر أحد القادة العسكريين فى إسرائيل، أن الجيش الإسرائيلي يبحث قرار إعادة احتلال غزة بالكامل وعدم السماح للفلسطينيين بالعودة إليها مرةً أخرى.
كما أن تقارير إسرائيلية أشارت إلى أن حكومة نتنياهو قد تتجه نحو تصعيد العمليات العسكرية بشكل أكبر فى الأيام المقبلة، وذلك عبر إصدار أمر للجيش باحتلال مدينة غزة.
ويرى البعض أن هذا الاحتمال أصبح أكثر جديَّة بعد أن توقفت العمليات العسكرية فى لبنان إثر التوصل إلى هدنة، مما أتاح للجيش الإسرائيلي تجميع المزيد من القوات المتاحة للعمليات العسكرية طويلة الأمد فى غزة.
وعلى الرغم من أن القرار النهائي بشأن هذه الخطوة لم يتم اتخاذه بعد، إلا أن أوساط إسرائيلية تعتبر أن ذلك الخيار أصبح أكثر احتمالاً الآن، خاصة أن هناك إدراكًا متزايدًا بأن الطريقة “الأكثر إيلامًا لحركة حماس هي فقدان الأراضي التي تسيطر عليها” على حد تعبيرهم.
فإذا كانت إسرائيل تروِّج خلال وسائل إعلامها وداعميها من الإعلام الغربي، أن الهدف من القرار هو الضغط على حماس، فالحقيقة غير المعلنة من جانب الاحتلال أن تؤدي تلك الخطوة لأكبر عملية تفريغ سكاني لقطاع غزة من الفلسطينيين واستبدالهم بأعداد كبيرة من الإسرائيليين وفق قانون “أملاك الغائبين” والذي يستخدمه المستوطنون للاستيلاء على منازل وأراضي وممتلكات الفلسطينيين المهجَّرين.
قانون “أملاك الغائبين” كانت هناك مطالبات فى 31 يناير 2005 بضرورة إعادة النظر فيه، ووعدت الحكومة الإسرائيلية الحكومة الأمريكية فى ذلك الوقت، بالمضي قدمًا نحو تعديل أو إلغاء القانون العنصري الإسرائيلي.
لكن وعود شارون لكونداليزا رايس، وزيرة الخارجية الأمريكية فى ذلك الوقت، لم تنفذ وواصلت إسرائيل سلب مزيد من الأراضي الفلسطينية فى القدس لحساب المستوطنين اليهود.
تستند الحكومة الإسرائيلية فى هذا القرار الذي يجري تجهيزه (إعادة احتلال غزة) إلى نتائج استطلاع رأي أُجري فى منتصف نوفمبر 2023، أيدت أغلبية الإسرائيليين فيه استئناف الاستيطان الإسرائيلي لقطاع غزة، رغم أن استطلاعًا آخر للرأي أجرته الجامعة العبرية فى القدس فى ديسمبر 2023 توصل إلى نتيجةٍ مُعاكسة، وهي أن الإسرائيليين يُعارضون إعادة توطين غزة بنسبة 56 إلى 33 فى المائة.
ورغم استطلاع الرأي الأخير الذي عارض استئناف الاستيطان نظرًا لتأثيره على استقرار الأوضاع وإحلال الأمن، إلا أن حكومة نتنياهو تواصل المسير باتجاه مزيد من التوترات لاغتصاب مزيد من الأراضي الفلسطينية وتحقيق الهدف بالتوسع على حساب الأراضي العربية.
البيت الأبيض بإدارته الحالية وإدارته المستقبلية خفت صوتها سوى من بعض التصريحات حول ضرورة وقف إطلاق النار على استحياء من إدارة الرئيس الحالي، ومطالبات من الرئيس المنتخب القادم للبيت الأبيض لحماس بضرورة إعادة وتسليم الأسرى دون أي حديث عن وقف إطلاق النار من جانب إسرائيل.
المشهد فى الأراضي المحتلة يزداد خطورةً وسط انشغال العالم بما يحدث فى سوريا وتطورات الأوضاع هناك، فالعالم انشغل بترقب المشهد الجديد وبات الحديث عن الانتهاكات الإسرائيلية خافتًا سوى من متابعات إعلامية، وسط غياب المجتمع الدولي عن القيام بمسئولياته.
(2)
لا يزال المخطط المرسوم لمنطقة الشرق الأوسط يسير باتجاه تطبيقه على أرض الواقع، ولن يستطيع أحد إيقافه سوى إدراك شعوب المنطقة لخطورة تنفيذه فى ظل عمل متواصل من قِبل المجموعات العاملة سواء فى العلن أو من خلف الستار.
إن إعادة تقسيم المنطقة من جديد لم يعد مستحيلاً فى ظل تطورات الأوضاع واشتعال معظم دول منطقة الشرق الأوسط وضربها بأزمات داخلية (صراعات) أو تأثرها بأزمات خارجية.
على سبيل المثال بات الوضع فى السودان أكثر خطورةً فى ظل تصاعد حِدة الأزمة خلال الأسابيع الأخيرة.
فمنذ اندلاع الأزمات فى السودان فى 5 أبريل عام 2023 والوضع لا ينبئ بتطورات إيجابية أو اتجاه نحو التهدئة واستقرار الأوضاع، خصوصًا مع استمرار بعض القوى الخارجية فى تقديم الدعم لمجموعات التدخل السريع.
الأسبوع الماضي تحدثت عن الأوضاع الكارثية فى ولاية النيل الأبيض حال استهداف سد جبل الأولياء.
لكن المشهد فى السودان بات أقرب نحو السيناريو الذي وضعه أصحاب مخطط إعادة تقسيم المنطقة.
فعقب قرار البنك المركزي السوداني بتبديل العملة ومنح المواطنين السودانيين مهلة لتبديل ما لديهم من أموال بالعملة الجديدة، أحدثت تلك الخطوة أزمة اقتصادية ضخمة خاصة أن البنك المركزي السوداني حدد ولايات البحر الأحمر، كسلا، القضارف، نهر النيل، الشمالية وإقليم النيل الأزرق.
وبحسب مصرفيين سودانيين فإن الغرض من تبديل الفئتين الكبيرتين حماية العُملة الوطنية، وتحقيق الاستقرار فى سعر الصرف والاستقرار الاقتصادي، ومعالجة الآثار السلبية للحرب، بعد أن فقدت معظم البنوك والمؤسسات المالية العملات المحلية والأجنبية جراء عمليات السرقة التي تعرضت لها من قِبل (قوات الدعم السريع) فى الأيام الأولى للحرب.
لكن أزمة تبديل العُملة القديمة بالعُملة الجديدة جعلت البعض يتحدث عن سيناريو آخر تمامًا.
وهو أن ما يحدث من عملية استبدال للعُملة يكون بمثابة اتجاه نحو التقسيم، خاصة فى ظل رفض قوات التدخل السريع العمل بالعُملة الجديدة فى الولايات المسيطرة عليها.
ورغم أن وزير الثقافة والإعلام بالحكومة السودانية قد أكد فى تصريحات صحفية أن القرار يأتي فى مصلحة حماية الاقتصاد الوطني ومحاربة العمليات الإجرامية التي تمت خلال الفترة الماضية.
إلا أن تلك الأزمة تزداد تفاقمًا فى ظل التدهور الكبير للعُملة السودانية والذي وصل إلى 2590 جنيهًا سودانيًا مقابل الدولار.
الدفع بالأوضاع فى السودان باتجاه تنفيذ مخطط التقسيم لن تكون آثاره السلبية على محيط السودان فقط أو دول الجوار، بل ستكون آثاره السلبية على إقليم الشرق الأوسط بالكامل فى ظل استهداف تغيير موازين القوى فى المنطقة.
(3)
الدراسة التي نشرها مركز بيجن السادات للدراسات الاستراتيجية والتي أعدها «ايتان شامير» بعنوان «إعادة تشكيل المشهد العالمي: كيف ستعيد عودة ترامب تعريف الديناميكيات العالمية؟!» تكشف المسار الجديد لتنفيذ مخطط إعادة تقسيم المنطقة خلال الفترة المقبلة لصالح إسرائيل، وكيف أن الأوضاع تستهدف إنهاك الدول بمزيد من التوترات.
تأتي الدراسة فى 48 صفحة مكونة من 15 مقالاً بحثيًا حول كل الملفات الأمنية فى المنطقة، والمستقبل الاستراتيجي لها فى ظل ولاية ترامب القادمة.
وليست تلك فقط هي الدراسة التي تستشرف المشهد فى المنطقة خلال الفترة المقبل، فقد أصدر المركز ورقة بحثية أخرى منذ أكتوبر الماضي حول اليوم التالي لحربها فى غزة (حرب السيوف الحديدية)، أكدت تلك الورقة أن إسرائيل لا تلعب لعبة قصيرة الأجل، فإلى جانب أهداف الحرب المعلنة، تهدف إسرائيل إلى خلق واقع أمني جديد فى المنطقة من خلال إضعاف إيران ووكلائها، وينبع هذا الهدف الأوسع من فهم أن هذه الحرب بالنسبة لإسرائيل وجودية، وأن إزالة التهديدات الكبيرة من حدود إسرائيل أمر غير قابل للتفاوض.
تدرك إسرائيل أنها لا تستطيع فرض خطط أو مقترحات سياسية على خصومها، سواء كانوا فلسطينيين أو لبنانيين – لكن من خلال إظهار تفوقها العسكري الواضح عليهم، ستحسن إسرائيل موقفها فى المفاوضات المستقبلية.
أخيرًا، هناك إمكانية لترتيبات إقليمية جديدة، بما فى ذلك التطبيع مع المزيد من الدول العربية، إذا نجحت إسرائيل فى إضعاف التهديد الإيراني بشكل كبير.
إذا تمكنت إسرائيل من إظهار إنجازات عسكرية كبرى لحلفائها المحتملين ضد عدو مشترك، فقد تتمكن من اقتراح خطة سياسية من شأنها تحسين وضعها فى المنطقة ــ لكن ليس قبل ذلك.
فبالنسبة لإسرائيل، لا توجد لعبة نهائية، بل لعبة طويلة الأمد.
تلك الورقة أيضًا قدمها إيتان شامير، منصب رئيس مركز بيسا وعضو هيئة التدريس فى قسم العلوم السياسية بجامعة بار إيلان.
هنا يتأكد لنا أن ما يجري فى المنطقة من محاولات النيل من الدول الوطنية وإضعافها وإحداث الأزمات المتتالية لإسقاطها لم يأتِ صدفة بل يستهدف إعادة ترتيب القوى فى المنطقة.
كما أن استهداف الجيوش الوطنية التي تعد الدرع الواقية للدولة والحامية لأمنها القومي، أيضًا ليس سوى جزءًا مهمًا فى المخطط بعد ان ثبت بالتجربة أن عملية ضرب أجهزة الأمن الداخلي لإحداث الفوضى داخل الدول لا تؤتي ثمارها، حال وجود جيش وطني قوي وقادر على حفظ الأمن القومي للدولة وفرض الاستقرار والعمل على حماية المؤسسات.
الأمر الذي جعل مخططي عملية إسقاط الدول فى المنطقة يتجهون لمسار استهداف الجيوش الوطنية القوية، إما بالانقسامات الداخلية، أو بتحويلها إلى ميليشيات يسهل السيطرة عليها وتفكيكيها، فى تلك الحالة يمكن تدمير باقي مؤسسات الدولة.
ليظل وعي الشعب المصري إدراكه لحجم ما يدور من تحركات مستهدفًا الدولة المصرية هو أحد أهم دروع الحماية للحفاظ على الدولة ومقدراتها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عودة الحياة لغزل المحلة
ما قامت به الدولة المصرية خلال السنوات الماضية من عمل متواصل، دون أن توقفها محاولات تشويه الصورة، أو تعرقلها تحليلات غير دقيقة حول فقه الأولويات لدى الحكومة المصرية، يعد إنجازًا غير مسبوق فقد عادت الحياة إلى غزل المحلة بافتتاح أكبر مصنع فى العالم للغزل والنسيج، ليكون بمثابة باكورة افتتاحات لعدد آخر من المصانع يجرى العمل على تطويرها منذ سنوات.
فتحية للأبطال الذين عملوا فى صمت خلال السنوات الماضية تحت ضغط الشائعات التي لم تنَل من عزيمتهم، ليقدموا للمصريين أعظم هدية فى نهاية العام الماضي وبداية العام الجديد بإنجازٍ عظيمٍ.