صالون الرأي
الحرب «الفنكوش» .. وثورة يونيو
By amrيونيو 30, 2025, 14:30 م
122
سعيد صلاح
بعد التوقف المريب لحرب الـ 12 يوما، التي دارت رحاها بين إيران واسرائيل ، لم يكن ما تبقى لدينا من قناعات ومعلومات ووجهات نظر أو حتى انطباعات ، يمكن أن يكون ثابتا أو يتسم ببعض المنطقية ، نظرا لكون الظاهر فى هذه الحرب غير الباطن ، وما كان يعلن من تفصيلات وتفاصيل ، كان يغلفها دهاء السياسة وخبثها وفظاظة المصالح وقبحها.
فلقد كانت الحقيقة فى هذه الحرب الغريبة، أكثر تعقيدًا ودهاءً من تلك الصورة المرسومة والمصدرة لنا عبر الشاشات والفضاء الأزرق ، تلك الصورة التى لا تعكس بالضرورة ما يدور فى غرف المفاوضات الخلفية أو فى الصفقات السرية التي تحكم توازنات القوى، وما رأيناه من نهايات غريبة ومريبة ربما يرجح صحة هذا الطرح وتلك الظنون، التي تبقى معها عشرات الاستفهامات وعلامات التعجب، من كونها حربا بدأت فجأة وتوقفت فجأة ولا يعلم أحد من انتصر ومن انهزم ، حيث أن كل الأطراف فيها يعلن أنه انتصر وأنه كان الأقوى وسيظل ، ليبقى الخاسر الوحيد، هو ذلك الانسان العادي الذي تهرسه تروس آلات الحرب الموجهة والمدفوعة بأغراض هيمنة وتوسع وانتصارات شخصية ومجد سياسي بغيض.
إسرائيل التي كانت ولا تزال تعتبر إيران عدوها الأكبر – المعلن طبعا – ، ودخلت معها قبل أيام فى حرب ضروس ، هي نفس الدولة وهو نفس العدو الذى كان فى الثمانينات صديقا حميما وقدمت له المساعدة والعون عندما كان يحارب جارته العراق ، وقدمت له أكثر من 80% من السلاح الذي كان يحتاجه فيما عرف بعد ذلك بفضيحة «إيران كونترا»، التي تفجرت فى أواخر عام 1986 ، فعبر تل أبيب باعت واشنطن سلاحًا لطهران لكي تواجه بغداد وجيش صدام حسين، مقابل استخدام نفوذها فى إطلاق سراح مواطنين أمريكيين خطفوا وأخذوا كرهائن فى لبنان من قبل ميليشيات شيعية موالية لإيران، أما الأسلحة التى زودت إدارة ريجان – الرئيس الأمريكى وقتها – إيران بها، فقد طالبت الإيرانيين بأسعار مرتفعة وحولت المبالغ الفائضة إلى قوات «الكونترا» التى كانت تحارب حكومة حركة «ساندينيستا» اليسارية الحاكمة فى نيكاراجوا وقتها.
وليس ذلك فقط ما يمكن أن نسميه خلافًا وعداء فى العلن ومصالح واتفاقات وصفقات فى الخفاء فهذه إيران أيضا التى سمحت للقوات الإسرائيلية أن تستخدم أراضيها من أجل أن تضرب المفاعل النووى العراقى، كما أن الاعتذار الذى خرج به الرئيس الإيرانى قبل أيام لدولة قطر وشعبها عن الضربة التى وجهها الجيش الإيرانى إلى القاعدة الأمريكية العديد ردًا على ضرب مفاعلاته النووية فى فوردو ونطنز وأصفهان لم يكن إلا فى إطار أيضا ما يعلن غير الذى يخفى ويتستر خلف ستائر السياسة وفى دهاليزها المظلمة، فهناك عداءات وخطط تحاك وتاريخ من التهديدات بين إيران وكل دول الخليج إلى أن وصل الأمر لاستخدام أمريكا ذلك فزاعة للخليج من أجل أن تبتزه وتستنفذ موارده وأمواله بحجة الدفاع عنه ضد الخطر الإيرانى، كل هذا وأكثر يمكن أن يكمن بعيدًا عما نسميه «صفقة» تكشف بوضوح أن العداء الظاهري كان فى كثير من الأوقات مجرد «ورقة» ضمن مفاوضات معقدة بين أطراف تعرف مصالحها جيدًا، وهذا بالطبع ليس مستغربًا ففى السياسة ليس هناك عدو دائم ولا صديق دائم، وهى فى أمورها الكلية لا تقوم دائمًا على ثنائية العدو والصديق، بل على معادلات المصالح وتوازنات القوة.
لذلك من الضرورى أن يبقى فى أذهاننا أمر راسخ لا شك فيه ولا حتى مبالغة، وهو أن صراع القوى فى العالم وفى المنطقة على وجه الخصوص يسير على ذلك النهج وبتلك الطريقة وهذا الأسلوب، فالمصالح تتصالح والقوة لا تقبل بغيرها ولا تفهم غير لغتها، والقوى لا تقبل أن يزاحمها أحد، فهى تتغذى وتعيش على كونها مسيطرة ومنفردة ووحيدة، وصراع القوى بين إيران الممثلة لأحلام الإمبراطورية الفارسية، فى مواجهة إسرائيل وأحلامها التوسعية ومخططات الصهيونية العالمية وفوقهما الشيطان الأكبر «أمريكا»، الذى يظهر وكأنه لاعب ماريونيت يمسك خيوط كل القطع ويحركها كيفما يشاء من أجل متعته الخاصة فقط، هذا الصراع لن يتوقف والظاهر فيه ليس كالباطن على الإطلاق، ومع تلك الحالة الكونية المصطنعة والمخلقة بمعرفة بشر أشرار لا يقدرون الإنسانية ولا حتى يعترفون بأهمية كونك إنسان تريد أن تعيش فى سلام وهو أبسط حقوقك على الأرض، تتجلى الأهمية القصوى لامتلاك كل مقومات القوة حتى تتمكن من العيش بسلام وفى سلام، متقبل قدر أن تكون فى منطقة محفوفة دائما بالمخاطر ومحل طمع دائم ومستمر من كل الأشرار.
وأبسط مقومات تلك القوة أن تكون على وعى كاف بما يحدث حولك، فاهمًا وواعيًا لما يتم ويدبر ويخطط له فى الكواليس والخفاء وخلف الستائر، على مدار التاريخ وألا تنخدع فيما يبدو ظاهرًا لك محاولا الوصول إلى بعض من أعماق وخبايا ما يظهر وما يبدو معلنا حتى تفهم الصورة كاملة وقراءة بعض من سير التاريخ وفهم أخباره يساعد فى ذلك كثيرًا فذلك الأسلوب وتلك الطريقة ليست جديدة وإنما تستعملها كل القوى المتغطرسة والامبراطوريات التى أوهمتها القوة المفرطة أنها تستطيع أن تفعل ما تشاء، فى من تشاء، وقت ما تشاء، والإمبراطورية البريطانية التى كانت تظن أن الشمس لن تغيب عنها «مثالا تاريخيا» على ذلك، فلقد انتهجت ذلك الأسلوب أيضا وبالطبع أصابتها أمراض القوة وأوهامها، ولدغت مصر بعضًا من «حياتها» وزرعت فينا وبيننا بعضا من بذور الشر، فيما عرف باسم «الإخوان المسلمين» فلقد كانت بريطانيا تريد أن تملأ فراغ العثمانيين المنهزمين، وفى نفس الوقت تحكم سيطرتها أكثر على المنطقة، فزرعت تلك «الجماعة» التى طلت علينا بعداء شرس «ظاهريًا» طبعا، للإنجليز وهم فى الخفاء أداته وصنيعته، التى كبرت وتوحشت وتوغلت حتى استفحلت وكادت تلتهم الوطن كله.
فمنذ أن ظهرت الجماعة الإرهابية، وحتى صعدت إلى سدة الحكم، وهى متمسكة ومحافظة على نفس الطريقة التى انشأت بها وهى العداء الظاهر وفى الخفاء الاتفاق الكامل والتوافق المطلق والتنفيذ الأعمى، فلقد كانت تعلن العداء والكره الكامل لأمريكا وإسرائيل وفى الخفاء كما علمنا وانكشف لنا كل شىء، كانت تنفذ مخططا أمريكيا فى شرق أوسط جديد، وتسعى لتنفيذ حلم الصهاينة فى إزاحة الفلسطينيين ومن ثم الدخول ورائهم حتى كامل سيناء، و كانت أيضًا تعلن حرصها الشديد على مصالح المصريين والوطن المصرى وأرضه وترابه وشعبه وفى الخفاء، يعملون بقناعة «طز» التى انفلتت وانكشفت فى أحد الأحاديث الشهيرة لواحد من مرشديهم، ثم خرجوا جميعا بالسلاح فى وجه مصر والمصريين، دون اعتبار لحرمة الدم الواحد، معتبرين أن دماءهم التى هى دماء الجماعة والعشيرة غير مستباحة
ولا مباحة، وأى دماء أخرى فهى والماء سواء.
ولكن وكما قلت الوعى والقدرة على القراءة السليمة لمعطيات التاريخ وأخباره هى الضمانه الأهم والأكبر للنجاح فى مواجهة مثل هذا الزيف المطلق والموجة لتحقيق أهداف غاية فى الخطورة، وعلى تلك القاعدة تكونت عقيدة رجال شرفاء، فهموا ووعوا لحقيقة ما يحدث ولم ينخدعوا بظاهر ما كان يعلن، ويعرفون بواطن وخفايا ما كان مستترًا، وقرروا أن يتحركوا ويصونوا الدماء المصرية ويفضحوا كل هذا المخطط ويقفوا حجر عسرة فى طريق تحقيقه.
وقد كان.. خرج أبناء مصر معلنيين تمردهم ورفضهم الزيف الإخوانى، وكاشفين لخبثه ودناءته، وفى ظهرهم جيش وطنى شريف يعرفه التاريخ جيدًا ويعرفه كل «الأندال»، والذين انتحبوا على أسنة رماحه وسنون سيوفه وتحت تروس دباباته «الجيش المصرى».. وكانت «ثورة 30 يونيو» التى نحتفل بذكراها غدًا.. تلك الثورة التى قالت للعالم كله إن على هذه الأرض شعبًا واع لا ينخدع، وفى ظهره جيش قوى وطنى وشريف يدافع
ولا يعتدى.. ثورة قالت للجميع: «هنا مصر».
حفظ الله الجيش .. حفظ الله الوطن