صالون الرأي
استراتيجية متعة القتل (فضيلة شيوخ الإرهاب)
By mkamalأكتوبر 15, 2018, 12:19 م
2833
بعد انتصار أكتوبر73 وانهيار أسطورة الجيش الذى لا يقهر، وانتشار أدبيات اعترفت بالهزيمة، ومما لا يعطى مجالا لتشكيك فى انتصار المصريين رغم ما تروج له آلة الإعلام العابرة للقارات الآن، وفى محاولة لتقزيم انتصار أكتوبر والسعى بالسفسطة البيزنطية إلى التعادل العسكرى بين القوتين، تمهيدًا لمزيد من التشويه للتاريخ والتحريف للحقائق (كما اعتادوا) واستهدافا لقتل ذاكرة المصريين، وتحديدًا للقادم من الأجيال الشابة، إلا أن البحث دون عناء فى أدبيات ما بعد الهزيمة لجيش الدفاع وما كتبته نسائهم من وثائق تزعق بالصراخ وتتشح بسواد الحبر على صفحات التاريخ، وما سطره رجالهم من مذكرات تشى بأنين المجروحين(!) فكان «التقصير» وهو أول كتاب يصدر بقلم من شاركوا فى الحرب بعد الهزيمة اشترك فى تأليفه سبعة من الصحفيين والمراسلين العسكريين لجيش الدفاع وهم «إيتان هابر» و«أورى دان» و«يشعيا هوبن بورات» و«يهوناثان جافن» و«حزاى كرمل» و«أيلى لاندو» و«أيلى تابور»، وفى مقدمة الكتاب يقول المؤلفون: عدنا من الحرب فوجدنا أنفسنا جزءًا من شعب حزين مصدوم تحيره التساؤلات، وكان ما جمع بيننا هو الاعتراف المشترك بأنه من المستحيل تجاوز ما حدث، ومن المستحيل إخفاء الحقيقة، ويصف الصحفيون السبعة أسباب التقصير التى أدت للهزيمة إلى ثلاثة أخطاء مأساوية وهى: أولا خطأ المخابرات الإسرائيلية وعجزها عن تجميع واستخلاص النتائج، وثانيا خطأ القيادة العليا للجيش التى تردت فى مصيدة الخداع العربية، وأخيرًا خطأ الحكومة الإسرائيلية، وفى كتاب آخر للمعلق العسكرى زئيف شيف «زلزال حرب يوم الغفران» يقول: «إن هذه هى أول حرب للجيش الإسرائيلى التى يعالج فيها الأطباء جنودًا كثيرين مصابين بصدمة القتال، ويحتاجون إلى علاج نفسى، إن هناك من نسوا أسماءهم»، وكان الانهيار كما فى كتابه «يوم الغفران» للواء أيلى زاعيرا مدير المخابرات العسكرية لجيش الدفاع وقت الحرب (الهزيمة)، والذى صرح بأن ما حدث فى يوم الغفران كان أكبر من مجرد تقدير خاطئ للموقف، سواء بالنسبة لاندلاع الحرب نفسها مرورًا بالعمليات الحربية، حيث كانت مفاجأة حرب أكتوبر زلزالا هز إسرائيل هزة نفسية عميقة، وأدى لانهيار الدعامات الأساسية لنظرية الأمن الإسرائيلية، ولم يسلم من اللوم الجماعى فى تحقيقات أجرانات التى أدانته مع معظم قادة جيش الدفاع، ولم يكن «الزلزال» لوزير وقائد جيش الدفاع موشيه ديان إلا تصريحًا مخلصًا وشفافا للاعتراف بالهزيمة الكاملة، وسيظل صراخ أول رئيسة وزراء لكيان جيش الدفاع جولدا مائير فى كتابها «حياتى» ينعق بالهزيمة ليفضح محاولات الإعلام المضلل بالدعاية الكاذبة لانتصار زائف لجيش الدفاع، وكما وصف جيشه بأنه (جيش الكلام) فى كتابه «مذكراتى» عن كيبور الرئيس الأسبق لكيان جيش الدفاع حاييم هيرتزوج، تلك الأدبيات التى جلدت الذات فى جنبات المجتمع المُعادى بمثابة وثائق تاريخية لا ينكرها إلا المخادعون، وستظل رافدًا قويًا يرد على ادعاءات الكذب والتضليل على عقول أجيالنا القادمة .
يجب أن نقف طويلا أمام ما كتبه موشيه ديان: «علينا الاعتراف بأننا لسنا أقوى من المصريين وأن حالة التفوق العسكرى الإسرائيلى قد إنتهت للأبد وأن النظرية التى تؤكد هزيمة العرب فى ساعات إذا حاربوا إسرائيل تعتبر نظرية خاطئة» ، وأضاف: «علينا أن نفهم أننا لم نعد القوة العسكرية الوحيدة فى الشرق الأوسط وأن هناك حقائق جديدة علينا أن نتعايش معها»، ويجب أن نتمعن فيما قاله بشأن وجوب تغير استراتيجيات المواجهة مع المصريين إذ يقول: «إن ما حدث فى هذه الحرب قد أزال الغبار عن العيون، وأظهر لنا ما لم نكن نراه قبلها وأدى كل ذلك إلى تغيير عقلية القادة الإسرائيليين، إن الحرب أظهرت أننا لسنا أقوى من المصريين».
ومن هنا ظهرت العديد من الاستراتيجيات التى تسعى لهزيمة المصريين ولكن بغير آلة الحرب العسكرية وربما كان فى قول قائد جيش الدفاع الآن: « إن المتعة أن ترى عدوك يقتل نفسه أو يقتل أخاه»، وإذا كانت تلك الاستراتيجية فإن آليات تحقيقها لا تتأتى إلا بتغيير ثقافة المصريين التى تستمد خصائصها من أعمدتها السبعة التى أشار إليها مفكرنا الراحل ميلاد حنا، ومن هنا كان لزامًا بتحريف الدعوة المتسامحة للمسيحية والإسلام فى مصر وإيجاد أصوات زاعقة بالخوف والتهديد والتخوين بل والتكفير للآخر مسلمًا كان أو مسيحيًا، واستخدام عرائس الماريونت (شيوخ ووعاظ الفتنة) ولا مانع من انتشار ما يسمى بجمعيات الدعوة والأخوية اللتين تستمدان دعمًا ماليًا، وتأييدًا سياسيًا من خارج الحدود، على أن تسير جنبًا إلى جنب مع كيانات الحريات والحقوق الإنسانية التى تنادى بدعاوى وهمية، وتطالب بالتغير المشبوه.
وكما يدعو شيوخ الفتنة ووعاظ التفكك إلى فضيلة القتل للآخر، أيضًا تدعو جماعات الحريات (المزعومة) إلى المساواة فى الحقوق بين المواطنين ولا مانع من الشذوذ والمثلية بدعاوى الحرية، ولا هناك ما يضير من المساواة فى المواريث عن جهل بفلسفة الفقه فى تلك الأمور والترويج للشاذ والمهجور من الفتاوى التى تفرق أكثر مما تجمع، كما أن المغالاة فى الحريات تدعم ذلك، بل وتقودنا لانهيار النموذج وتطاول الأبناء على الآباء، وانعزالهم عنهم، كما المجتمعات المتحضرة، إلى غير تلك الملامح التى تم إجراؤها فى عمليات تشويه للشخصية المصرية والنتيجة: قتل المواطن لنفسه لاستغلال الانتحار، وتحويله إلى ظاهرة، وعلى الإعلام (الساذج والممول) الترديد لتلك الحالات اليائسة من المجتمع، وما وصل إليه، والترويج لحالات الاكتئاب العام وانعدام الثقة، وما بين كتلة جماعات التكفير والقتل، وكتلة حناجر الحريات المنفلتة، يصاب المجتمع بالشيزوفرينيا أو الانقسام والذبذبة بين هؤلاء المكفرين للآخرين، وبين هؤلاء المتحررين من مبادئ الأخلاق وجمال الأديان والموروث النقى من قيم العادات والتقاليد، وهنا نجد تشويها متعمدًا فى الشخصية المصرية يؤدى إلى سلوكيات القتل، قتل المواطن لنفسه فى بحار الهجرة غير الشرعية يأسًا وقنوطًا، وقتله لوالديه عصيانًا وعقوقًا، وقتله لأبنائه خشية إملاق وبؤسًا، وقتلها لزوجها خيانة ونشوذا، وقتله لجاره حسدًا وحقدًا، وقتله لزملاء السلاح فى كرم القواديس والواحات جهلا وجاهليةً، وهنا تحدث الردة إلى عصور الظلام التى عانت منها أوروبا حين كانت الثقافة السائدة أن يقتل المرء غيره ويحصل على صك الغفران من الواعظ، حتى كاد أن يسود قانون الغاب لولا مارتن لوثر كينج وثورته التى صححت المفاهيم الإنسانية فى علاقة الإنسان بربه وممارساته لتعاليم دينه، وأعادت الحياة إلى مسار التحضر، هل لنا فى ثورة إصلاح ثقافى تردع الوافد من ثقافات الآخرين الذين أنهكتهم الحرب، واستوعبوا الدرس العسكرى، فناوروا والتفوا علينا قاصدين دحر ثقافاتنا السمحة المعتدلة وتشويه ملامحنا لتتحقق استراتيجية متعة القتل، أو متعة مشاهدة عدوك يقتل أخاه أو يقتل نفسه بيده .
انتصروا لمصر فى معركة الوعى البديلة لمعركة البارود، وفى ميدان العقل البديل لسياسة الحدود الآمنة واحتلال الأراضى، وأعيدوا لنا ملامحنا، ليعود الحوار لقبول الآخر فريضة، ولتغيب خطيئة رفض الآخر وقتله انتصروا لمصر الجميلة!