رئيس التحرير
الإقليم يحترق
By m kamalيونيو 16, 2025, 11:14 ص
322
العملية الإسرائيلية التي استهدفت إيران فجر الجمعة 13 يونيو الجاري، والتي اعتبرتها إسرائيل عملية استباقية ضد البرنامج النووي الإيراني، تُعد تطورًا خطيرًا جدًا في معادلة الصراع في الشرق الأوسط، وتنذر بتداعيات أمنية وعسكرية وسياسية واسعة، فقد تؤدي إلى اشتعال المنطقة بشكلٍ كاملٍ وفق السيناريو الأسوأ، وهو ما لا نتمناه، في ظل أوضاع اقتصادية عالمية غاية في السوء ومناطق صراع ملتهبة تضرب العالم شرقًا وغربًا شمالاً وجنوبًا، لكن المشهد في الشرق الأوسط يزداد تعقيدًا، بعد العملية الإسرائيلية التي كشفت إيران أنها تلقت تحذيرات من إحدى الدول الصديقة بشأن هذه العملية، الأمر الذي يثير تساؤلات كثيرة حول الأوضاع الداخلية في إيران وقدرتها على الرد.

المشهد في الإقليم صار أكثر تعقيدًا في ظل عمليات الدفع المستمرة نحو إعادة تقسيمه من جديد في ظل صراع لم يتوقف لحظة خلال العقد ونصف العقد الأخير.
(1)
العملية العسكرية الإسرائيلية التي جاءت ضمن عمليات استباقية حسب وصف تل أبيب لها واستهدفت منشآت نووية فى نطنز وغيرها، ومنشآت صاروخية ومراكز تحكم وقيادة، واغتيال عدد من الشخصيات منها قائد الحرس الثوري اللواء حسين سلامي، واللواء غلام علي رشيد، واللواء محمد باقري، رئيس الأركان، ود. محمد مهدي طهرانجي، وفريدون عباسي بحسب ما توفر لنا من بيانات حتى مثول المجلة للطبع، تعد عملية عسكرية نوعية، كما أنها قدمت رسائل مهمة يجب التوقف أمامها.
شارك فى العملية 200 طائرة إسرائيلية من طراز f15 و f16 وطائرات شبحية، فى الوقت ذاته كان رد الفعل الإيراني من خلال توجيه عدد من الطائرات المسيّرة بدون طيار باتجاه إسرائيل.
وهنا لابد أن نتوقف عند عدة نقاط:
إسرائيل قامت بهذه العملية وسط صمت غير معلوم السبب للقوات الجوية الإيرانية أو قوات الدفاع الجوي، رغم أنها من المفترض كانت على علم كامل بالعملية، الأمر الذي يستوجب أنها قد رفعت درجة الاستعداد إلى درجة الاستعداد القصوى، وهو الأمر الذي يجعل القوات الجوية الإيرانية كان لابد لها من الاشتباك خاصة أن العملية لم تكن موجة جوية واحدة بل عدة موجات.
كما أن صمت الدفاع الجوي الإيراني يثير تساؤلات عديدة خاصة أنه الذراع القوية فى مواجهة مثل تلك العمليات، فالمواقع النووية الإيرانية مُحاطة بقواعد دفاع جوي لتأمينها.
دقة العملية الإسرائيلية تشير إلى توافر معلومات استخباراتية استطاعت إسرائيل الحصول عليها من داخل إيران، وهو ما يلقي بالمسئولية على أجهزة الاستخبارات الإيرانية، خاصة أن العملية حققت الهدف المرجو منها بدقة.
رد الفعل الإيراني حتى اللحظة لا يزال ليس هو الرد المتوقع من جانب طهران على العملية الإسرائيلية، خاصة أن إسرائيل أعلنت أنها لن تتوقف عند هذا الحد بل ستواصل عملياتها ضد طهران.
الولايات المتحدة الأمريكية أعلنت أنها لن تسمح بالمساس بأمن إسرائيل، وهو ما يعد أحد أهم التحديات أمام إيران حال قيامها بعملية مماثلة ضد إسرائيل خاصة أن استخدام الطائرات بدون طيار لن يؤتي ثماره فى ظل عبور تلك الطائرات لمجالات جوية لعدة بلدان، مما يجعلها هدفًا لدفاعاتها الجوية قبل الوصول لإسرائيل.
المجتمع الدولي منشغل بشكلٍ كبيرٍ بالحرب الروسية الأوكرانية، كما أنه عجز عن وقف عمليات الإبادة الجماعية فى غزة، مما منح إسرائيل فرصة أكبر لمزيد من العربدة فى المنطقة.
الشخصيات المستهدفة فى العملية من العلماء الإيرانيين فى البرنامج النووي يعد ضربة قوية للبرنامج الإيراني.
حلفاء إيران (روسيا والصين) لن يكون لهم دور مباشر فى تلك المواجهة بل سيتوقف الأمر عند حد الإدانة والمساندة عبر المواقف الدبلوماسية فقط، الأمر الذي يجعل إيران تقف وحدها فى تلك المواجهة وهو ما تعلمه إسرائيل.
حال قيام إيران بعملية ردع قوية من خلال أذرعها بالمنطقة على العملية الإسرائيلية خاصة أن عملية الرد المباشر من قِبل طهران قد يكلفها الكثير، فستكون هناك العديد من الدول العربية بالمنطقة هي من ستدفع الثمن.
حالة التعقيد التي أصابت المشهد فى المنطقة عقب العملية الإسرائيلية التي خطط لها قبل 33 عامًا، وتطورت على مدى هذه الفترة لتصل فى النهاية إلى “الأسد الصاعد” حسب ما أطلقت عليها إسرائيل، تنذر بتطورات دراماتيكية ستؤثر بشكلٍ واضحٍ على العديد من الدول.
(2)
فى الوقت الذي لم تتوقف فيه عمليات الإبادة الجماعية من قِبل قوات الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني وعمليات العربدة المستمرة فى بعض الأراضي العربية، نجد البعض يسقط فى آتون التلاعب بعقله، بعد أن صُور له مجموعة من الأكاذيب على أنها وقائع، وجراء إعادة نشرها على العديد من المنصات يظن هؤلاء أنها حقيقة فيواصلون إعادة تداولها، وهم لا يدركون أنهم تحولوا إلى لعبة فى يد صنّاع مثل تلك العمليات (تقديم المحتوى غير الصحيح) فيساهمون فى تدمير أوطانهم وهم لا يدركون.
على الجانب الآخر نجد عمليات تعليب وتجهيز ممنهجة لمحتوى إعلامي تحمله صفحات بعض الصحف تستهدف تصدير الزيف والأكاذيب إلى المجتمع الدولي، لحصد مزيد من المكاسب.
وهو ما فعلته صحيفة “معاريف” الإسرائيلية فى الخامس من يونيو الجاري عندما نشرت موضوعًا للصحفى “فلد أربلي”، وهو مراسل الصحيفة فى جنوب إسرائيل، مستضيفًا “إيلي ديكل”، العقيد احتياط فى جيش الاحتلال، والذي حاول أن يسوق للمجتمع الدولي من خلال قراءته المغلوطة عن عمد لما يحدث بشأن القضية الفلسطينية.
بدأ “ديكل” يقدم المشهد وكأنه عالم ببواطن الأمور مقدمًا العلاقات المصرية الأمريكية على أنها متوترة، وهو منافٍ تمامًا للدقة فمصر دولة كبيرة ولها ثقلها ودورها المهم فى المنطقة والجميع يعلم ويدرك ذلك تمامًا بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية وإدارتها.
كما أن العلاقات المصرية الأمريكية مبنية على الاحترام المتبادل بين البلدين، والإدارة الأمريكية تدرك ذلك.
لم يكن ذلك فقط هو الهدف بل عمد كاتب الموضوع إلى أن يسوق على لسان “ديكل” مجموعة من الأكاذيب والمغالطات على رأسها أن الأزمة فى غزة ليست مسئولية إسرائيل وحدها بل هي مسئولية العرب! مستعرضًا رؤيته المسمومة المستهدفة الوصول إلى مخطط تصفية القضية الفلسطينية.
ليروّج أن حل الأزمة يتلخص فى نقل سكانها إلى أي دولة فى العالم، وبذلك لن يكون هناك أي داعٍ لاستمرار الحرب.
إنه اعتراف كامل بأن الهدف تصفية القضية، وأن ما يحدث هو حرب إبادة جماعية وجريمة ضد الإنسانية يجب محاسبة المسئولين الإسرائيليين عنها أمام المحكمة الجنائية الدولية.
لقد تجاهل “ديكل” أن حل الأزمة يتمثل فى ضرورة وقف الحرب وإحلال السلام على أساس حل الدولتين وهذا هو حق لصاحب الأرض، الشعب الفلسطيني وليس للمستوطنين المحتلين.
ولم يدرك الكاتب أن ما حدث فى 1948 كان عملية احتلال من قِبل إسرائيل لأراضي الغير والاستيلاء على الدولة الفلسطينية بواسطة المجموعات اليهودية ودعم بريطاني، وصمت دولي يشبه ما يحدث حاليًا، وقامت العصابات اليهودية بعمليات قتل للفلسطينيين وتدمير سبقت حرب 48، إنه تاريخ دموي.
ثم عاد “ديكل” فى حواره متحدثًا عن المعونة الأمريكية لمصر، متغافلاً أن ذلك يجري وفق اتفاق تم بين كلٍ من مصر والولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، وإذا كانت مصر حصلت خلال السنوات السابقة على 100 مليار دولار، حسب زعمه، فقد حصلت إسرائيل على 260 مليار دولار بحسب بيانات الكونجرس الأمريكي.
لقد واصل “ديكل” مغالطاته ليبلغ إلى حد الوقاحة زاعمًا أن العرب هم من يرفضون حل الأزمة.
إن الإصرار على مثل تلك التوجهات وتصديرها إعلاميًا إلى المجتمع الدولي، لهو تأكيد على أن حكومة نتنياهو تواصل السير نحو مزيد من التعقيد للأوضاع، ولن يحقق هذا المسار أمن أو استقرار لإسرائيل كما يزعم بل سيرسخ لمزيد من العنف الذي لن يستطيع أحد توقع مداه.
(3)
الأسبوع الماضي شهد العالم الأزرق (face book) موجة جارفة من التوقعات والأحاديث التى زعم مروجوها أنها معلومات، وهي ليست سوى مقذوفات فارغة أطلقها هؤلاء فى الهواء وانتظروا آثار صداها.
وسط حديث وتوقعات حول تغيير حكومي مرتقب، معلنين أسماءً محددة لكسب زيفهم المعلب جزءًا من المصداقية، وهو سيناريو معروف فى صناعة الشائعات.
أن تكون الشائعة بها جزء من الواقع، كـ اسم شخص، أو حدث، ثم يصنع ما بقي منها وفق ما هو محدد لها سواء لإحداث أزمة أو التأثير سلبًا على ثقة الشعب بحكومته أو قيادته السياسية.
تلك الموجة دائمًا ما نجدها تعلو فى توقيتات محددة كأحد أدوات الضغط على الدولة.
فما حدث الأسبوع الماضي فى الفضاء الأزرق من نشر اسم رئيس الوزراء دكتور مصطفى مدبولي كمرشح لمنصب أمين عام جامعة الدول العربية، وتسمية مَن يخلفه فى الحكومة؛ لم يكن سوى مجرد شائعة صنعتها قوى الشر بهدف خلق حالة من التوتر والضغط ومحاولة جر جمهور السوشيال ميديا لخلق حالة تراشق فى العالم الافتراضي بين الأشقاء ونقلها إلى الواقع.
لكن سرعان ما كشف الشعب زيف ما يتم ترويجه، ومصدّري تلك الشائعات، فلم ينزلق نحو الأزمة المستهدفة من قِبل قوى الشر.
فمصر لم تعلن عن مرشحها لمنصب الأمين العام للجامعة العربية الذي يخلف السيد أحمد أبو الغيط، كما أن العلاقات المصرية العربية علاقات قوية ولا يمكن النيل منها مهما حدث، خاصة العلاقات المصرية الخليجية.
إن مصر عندما تحدد مرشحها لمنصب الأمين العام للجامعة العربية ستعلن عنه رسميًا، كما أن هذا المنصب يأتي فى إطار توافق عربي دائمًا.
(4)
تحرص الدول على وضع آليات وقوانين حاكمة تنظم الدخول والخروج من أراضيها فى إطار حفاظها على أمنها القومي، وهو أمر طبيعي فى الدول ذات السيادة، أما صنّاع الفوضى فدائمًا ما يحرصون على محاولة خرق تلك القوانين أو الاعتداء عليها، هو ما تواجهه الدول بحسم، وذلك فى إطار الضوابط القانونية والدستور.
وهو ما أكدت عليه وزارة الخارجية المصرية فى بيانها بهذا الشأن نهاية الأسبوع الماضي.
مصر لم تتوقف يومًا عن دعم القضية الفلسطينية، ولن تتوقف عن ذلك، كما أنها تواصل جهودها، لوقف الحرب والوصول إلى سلامٍ عادلٍ على أساس حل الدولتين.
إن محاولات تقديم صورة غير صحيحة عن الدعم المصري للقضية الفلسطينية دائمًا الواقع يكشف زيفها.
فالعديد من الفعاليات التي شهدتها المنطقة الحدودية أمام معبر رفح كانت بتنسيق مسبق وفق الضوابط التي حددها القانون، فقد عقد الأمين العام للأمم المتحدة مؤتمرًا صحفيًا أمام معبر رفح حضرته كل وسائل الإعلام العالمية، كما قامت العديد من المنظمات والبعثات الدولية بزيارة معبر رفح والمناطق اللوجستية للمساعدات بالعريش ورفح.
مصر لم ولن تتوقف لحظة عن دعم الأشقاء الفلسطينيين والوقوف فى مواجهة أي محاولة لتصفية القضية الفلسطينية.
المشهد فى منطقة الشرق الأوسط تزداد درجة حرارته الحدسية عشرات المرات عن درجة حرارته المناخية.
عناصر يتم الدفع بها لاستهداف قلب أي دولة يقصدون تدميرها من الداخل، لتسهل عملية التفكيك.
وحدات العمليات النفسية لدى قوى الشر لا تتوانى عن استمرار عملية تعليب العقول لإسقاط الدول.
ليظل وعي الشعوب والتفافها حول قيادتها السياسية، ووحدة قرارها، وتماسك جبهتها الداخلية والخارجية، وقوة مؤسساتها، ومواصلة عمليات المواجهة، جميعها حائط صد منيعًا أمام تلك العمليات الخبيثة، فى ظل تنامي أطماع البعض للانقضاض على حقوق الآخرين أو التوسع على حسابهم.